غوغل يغير المعايير.. والمواقع الإلكترونية تدفع الثمن

في 20 مايو 2025، صعد الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، سوندار بيتشاي، إلى منصة مؤتمر المطورين السنوي، ليعلن عن نقلة نوعية في عالم البحث عبر الإنترنت: وضعية البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي أو “AI Mode”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تقدم فيها غوغل ميزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي – فقد أطلقت مسبقًا ميزة “نظرة عامة بالذكاء الاصطناعي” (AI Overviews)، لكن الميزة الجديدة تمثل تغييرًا جذريًا: البحث التقليدي القائم على روابط المواقع قد يتم استبداله بالكامل بإجابات مباشرة يكتبها روبوت.
تراجع كبير في زيارات المواقع.. وقلق متصاعد
تعتمد الإنترنت منذ نشأتها على تبادل بسيط: تسمح المواقع لمحركات البحث مثل غوغل بفهرسة محتواها مجانًا، مقابل إرسال زيارات من المستخدمين إلى تلك المواقع حيث يشاهدون إعلانات أو يشترون منتجات. لكن مع ظهور “وضعية الذكاء الاصطناعي”، تبدو هذه المعادلة مهددة.
وفقًا لتقارير شركات تحليل البيانات مثل BrightEdge، فإن ميزة “نظرة عامة بالذكاء الاصطناعي” خفّضت معدلات النقر إلى المواقع بنسبة تصل إلى 70% لبعض أنواع البحث. ويقدّر الخبراء أن “AI Mode” – الذي لا يقدم روابط تقليدية بل إجابات كاملة – قد يضاعف هذا التأثير.
ليلي راي، نائبة رئيس قسم استراتيجيات تحسين محركات البحث في شركة Amsive، تصف الأمر قائلة: “إذا جعلت غوغل وضعية الذكاء الاصطناعي هي الوضع الافتراضي، فسيكون ذلك بمثابة ضربة مدمّرة للإنترنت”. وتضيف: “سيؤدي ذلك إلى تقليص مصادر الدخل الأساسية للمواقع، ويقلل الحافز لدى صنّاع المحتوى على إنتاج معلومات مفيدة”.
غوغل ترد: “نحن نرسل مليارات النقرات يوميًا”
من جهتها، تؤكد غوغل أن هذه المخاوف مبالغ فيها، مشيرة إلى أن ميزات الذكاء الاصطناعي توسّع نطاق الأسئلة التي يمكن طرحها عبر البحث، ما يؤدي – بحسب الشركة – إلى “فرص جديدة لاكتشاف المحتوى”.
لكن الناشرين المستقلين لا يبدون الاقتناع. تقول جيزيل نافارو، مديرة تحرير موقع HouseFresh المتخصص في مراجعات جودة الهواء، إن موقعها بدأ يلاحظ ارتفاعًا في مرات الظهور بمحرك البحث، يقابله انخفاض في عدد النقرات، وهو ما يتزامن مع إطلاق ميزات الذكاء الاصطناعي. “غوغل تعرض روابطنا، لكن لا أحد يضغط عليها”، تقول نافارو.
وتضيف: “لقد كتبت غوغل قواعد اللعبة، وها هي تغيّرها من دون تحذير. أعتقد أنهم في طريقهم إلى تدمير الويب المفتوح كما نعرفه – إن لم يكونوا قد فعلوا ذلك بالفعل”.
عصر “الويب الآلي” يلوح في الأفق
يرى مراقبون أن هذا التحول قد يكون بداية لعصر جديد يُعرف بـ”الويب الآلي” – حيث لا تُصمّم المواقع للبشر بل للروبوتات، ويصبح ملخص روبوت الدردشة هو الطريقة الأساسية لاستهلاك المعلومات.
مدير مختبر “ديب مايند” التابع لغوغل، ديميس هاسابيس، قال في تصريح حديث إن بعض الناشرين سيختارون تزويد نماذج الذكاء الاصطناعي بمحتواهم مباشرة دون حتى نشره على مواقع قابلة للقراءة البشرية. “سيكون المشهد مختلفًا تمامًا خلال بضع سنوات”، أضاف هاسابيس.
لكن وسط هذا التحول، يبرز سؤال محوري: إذا أصبحت الروبوتات هي الجمهور، فكيف سيُكافأ صنّاع المحتوى؟ تجارب محدودة مثل اتفاقيات ترخيص المحتوى التي أبرمتها غوغل مع Reddit أو أمازون مع نيويورك تايمز قد توفر أجوبة جزئية، لكنها تبقى محدودة على نطاق ضيق ولا تشمل المواقع الصغيرة أو المستقلة.
المحتوى الجيد في خطر.. والانتقال إلى وسائل التواصل يتسارع
مع صعوبة الحفاظ على النموذج الربحي عبر محركات البحث، يلجأ العديد من الناشرين إلى منصات التواصل الاجتماعي. لكن هذا الخيار ليس مثاليًا، بحسب نافارو، إذ يتطلب تقديم محتوى سريع وجذاب على حساب العمق والجودة. “كل شيء يدور الآن حول الترفيه والبيع، وليس حول تقديم محتوى غني وموثوق”، تقول.
غوغل: “الويب ما زال مزدهرًا”
نيك فوكس، نائب الرئيس الأول في غوغل، يؤكد أن الويب لا يزال “مزدهرًا”، مشيرًا إلى أن المحتوى على الإنترنت نما بنسبة 45% في العامين الماضيين. ويضيف: “ما من شركة تهتم بمستقبل الويب أكثر من غوغل”.
لكن رغم تطمينات غوغل، يُجمع الخبراء على أن التجربة الرقمية ستتغير جذريًا في غضون عام، وأن “الويب المفتوح” قد يدخل مرحلة أفول.
كما تلخصه العالمة البريطانية وندي هول، إحدى رائدات تصميم بنية الويب في الثمانينيات: “أنا لست قلقة لأن هذا مجرد تطور طبيعي… لكن ما أخشاه هو أن يكون الأوان قد فات بالنسبة لكثير من الناس”.