ثورة رقمية وقانونية تعيد صياغة بيئة العمل في السعودية

ثورة رقمية وقانونية تعيد صياغة بيئة العمل في السعودية

خاص – الوئام 

بينما تتسارع التحولات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية تحت مظلة رؤية 2030، تُبرز القيادة السعودية مفهوماً مختلفاً للتنمية: الإنسان أولاً. فمع السعي نحو تنويع الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص، تبقى سلامة العامل السعودي والمقيم محوراً أساسياً في بناء بيئة عمل حديثة وآمنة.

في مواجهة تحديات معقدة مثل تغيّر المناخ، وأتمتة العمل، والاقتصاد الرقمي، تؤسس المملكة نموذجاً متقدماً في الصحة والسلامة المهنية يتجاوز مجرد الالتزام بالتشريعات إلى صناعة ثقافة مؤسسية متكاملة.

تراجع تاريخي في إصابات ووفيات العمل

منذ إطلاق برنامجها الوطني للصحة والسلامة المهنية عام 2017، تمكنت السعودية من تقليص معدلات الإصابات المهنية بنسبة 41.8%، في حين انخفضت الوفيات الناجمة عن الحوادث في بيئة العمل بنسبة غير مسبوقة بلغت 75.4%، لتصل إلى 0.94 وفاة لكل 100 ألف عامل بنهاية عام 2024، بعد أن كانت 3.83 في عام 2018.

التحول الرقمي يعيد رسم مشهد السلامة

أحد أبرز ملامح هذا التحول يتمثل في الرقمنة الواسعة لعمليات الرقابة والتفتيش، حيث تم رقمنة نحو 62% من العمليات المرتبطة بالصحة والسلامة المهنية، مقارنة بـ30% فقط قبل أعوام قليلة. وقد أسهمت هذه البنية الرقمية، مثل “المنصة الوطنية للإبلاغ عن الحوادث والتحقيق”، في توفير تقارير فورية وتحليلات للمخاطر، مما ساعد على الاستجابة السريعة لأي تهديد محتمل.

كما ساهم نظام الحوكمة الموحد في توحيد جهود 16 جهة حكومية وجهات أصحاب العمل وممثلي العمال، ما عزز التنسيق وسرّع من اتخاذ القرارات الوقائية في جميع القطاعات.

تشريعات تتماشى مع المعايير الدولية

في إطار سعيها للمواءمة مع الأنظمة العالمية، صادقت السعودية على اتفاقية العمل الدولية رقم 187 المتعلقة بتعزيز بيئة العمل الآمنة، وتسعى الآن لتبني الاتفاقية رقم 155، لبناء منظومة تشريعية حديثة تتماشى مع أفضل المعايير الدولية.
وقد أدت هذه الخطوات إلى إرساء نموذج رقابي قائم على البيانات ومؤشرات الأداء، مما ساهم في رفع الامتثال وتحديد النقاط الأكثر عرضة للخطر.

الكوادر السعودية تقود المرحلة القادمة

تعتمد المملكة في تنفيذ استراتيجيتها على تنمية الكفاءات الوطنية، حيث تم إنشاء “برنامج كوادر السلامة” لترخيص المختصين السعوديين في الصحة المهنية. كما تم توفير برامج تدريبية مجانية عبر الإنترنت بثماني لغات، بهدف توسيع قاعدة المعرفة والوصول إلى أكبر شريحة من العاملين والمشرفين على بيئة العمل.

هذا الاستثمار في العنصر البشري يعكس رؤية شاملة ترى أن حماية العمال ليست فقط عبر اللوائح، بل أيضًا من خلال بناء ثقافة وقائية راسخة يقودها مختصون محليون.

الابتكار والشباب: مستقبل السلامة المهنية

المملكة فتحت الباب كذلك أمام الإبداع، حيث شارك أكثر من ألف شاب من تسع دول في هاكاثون عالمي ضمن فعاليات “المؤتمر العالمي للسلامة والصحة المهنية” الذي انعقد في الرياض، وقدموا 465 مشروعًا مبتكرًا لتحسين بيئات العمل.
ومن اللافت أن أكثر من 82% من المشاركين كانوا دون سن 35، ما يبرز الدور الحيوي للشباب في تطوير حلول مستقبلية قائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

قمة دولية تؤكد موقع السعودية الريادي

انعقاد الدورة السابعة من مؤتمر GOSH في مايو الماضي شكّل منصة استراتيجية جمعت الخبراء وصناع القرار العالميين تحت سقف واحد.

وقد ناقش المؤتمر قضايا جوهرية مثل آثار التغير المناخي، الرقمنة، وسبل تطوير بيئة العمل في عصر الاقتصاد الرقمي، ما عزز مكانة السعودية كمركز دولي لتبادل الخبرات وبناء سياسات عمل مستدامة.

نموذج سعودي يُحتذى به

من خلال هذه الإصلاحات، لم تكتفِ السعودية بتحسين ظروف العمل، بل وضعت معايير جديدة للتميّز المؤسسي في مجال السلامة المهنية. وتجدر الإشارة إلى أن النجاح السعودي لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بالتحول العميق في الوعي المؤسسي والثقافة العامة تجاه صحة الإنسان في بيئة العمل.

في عالم تكثر فيه المخاطر، من التغير المناخي إلى الذكاء الاصطناعي، تبرهن السعودية أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر أمانًا ودوامًا.