دفاع بدون زيادة في التمويل.. ألمانيا تعيد ترتيب أولويات الاتحاد الأوروبي

خاص – الوئام
مع اقتراب الاتحاد الأوروبي من مناقشات حاسمة حول ميزانيته القادمة، أعلنت ألمانيا موقفًا واضحًا ومفصليًا يتمثل في إعطاء الأولوية للدفاع وتعزيز الصناعات العسكرية، ولكن دون زيادة المساهمات المالية للدول الأعضاء.
وفي وثيقة رسمية سُرّبت إلى وسائل الإعلام، حدّدت برلين رؤيتها لمستقبل الإنفاق الأوروبي، داعيةً إلى إعادة توجيه الموارد نحو الأمن المشترك والتكنولوجيا الاستراتيجية، مع تقليص التكاليف الإدارية.
هذا الموقف يعكس التحوّل الكبير في السياسة الألمانية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ويؤكد رغبتها في بناء قدرة دفاعية أوروبية أقوى دون تحميل دافعي الضرائب أعباء إضافية. وبينما تستعد المفوضية الأوروبية لاقتراح ميزانية موسعة في يوليو، وضعت الوثيقة الألمانية شروطًا جديدة لأي توافق مالي مستقبلي داخل الاتحاد.
محاولة لربط السياسة الدفاعية بالميزانية
وفق ما نشرت فاينانشال تايمز البريطانية، فإنه على الرغم من أن معاهدات الاتحاد الأوروبي تحظر صراحة استخدام الميزانية المشتركة لتمويل نفقات العمليات العسكرية أو الدفاعية، إلا أن بروكسل وجدت مؤخرًا سُبلًا بديلة للالتفاف على هذا القيد، من خلال الاقتراض المشترك وإعادة تخصيص بعض الأموال لدعم أوكرانيا وتعزيز قطاع الدفاع الأوروبي.
وتقترح الوثيقة التي وضعتها ألمانيا، أن تشمل الميزانية دعمًا للتقنيات مزدوجة الاستخدام، أي تلك التي تخدم أغراضًا مدنية وعسكرية، وكذلك تطوير ممرات النقل العسكري على مستوى القارة.
خفض النفقات الإدارية
تُشدّد الوثيقة على أن “الهامش المالي للدول الأعضاء سيظل محدودًا في المستقبل المنظور”، وبالتالي لا ترى ألمانيا أي أساس لزيادة المساهمات الوطنية في الميزانية المشتركة، التي تمثل حاليًا نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد.
ولتغطية الإنفاق الدفاعي دون زيادة التمويل، تدعو برلين إلى خفض التكاليف الإدارية في مؤسسات الاتحاد، وتوجيه الموارد نحو الأولويات الأمنية والابتكارية.
مقاومة ألمانية متوقعة
تأتي هذه المواقف الألمانية في وقت تستعد فيه المفوضية الأوروبية لطرح اقتراح في منتصف يوليو، يتضمن على الأرجح دعوةً لزيادة الميزانية لتلبية الحاجات المتزايدة للاتحاد.
لكن برلين أرسلت رسالة واضحة بأنها ستعارض أي زيادة في المساهمات الوطنية، التي تُشكّل الجزء الأكبر من ميزانية الاتحاد، والمبنية على إجمالي الدخل القومي للدول الأعضاء.
دعوة لإعادة توجيه الإنفاق
إلى جانب الإنفاق الدفاعي، تطالب ألمانيا بإعادة هيكلة الميزانية لتركيز الإنفاق على ما تصفه بـ”الابتكار والتحول والمستقبل”، خاصةً في مجالات البنية التحتية العابرة للحدود، والرقمنة، وأمن الطاقة، والتقنيات الاستراتيجية.
وترى برلين أن هذه المجالات تمثل قيمة مضافة أوروبية حقيقية، وتُسهم في تعزيز التنافسية العالمية للاتحاد، ما يجعل الاستثمار فيها أكثر مردودية من الإنفاق التقليدي.
إصلاح هيكلي للميزانية
وفي إطار سعيها لإعادة التوازن المالي، تدفع ألمانيا نحو تبسيط هيكل الميزانية الأوروبية، وتقليص عدد البرامج الحالية، ووضع أطر إدارية أكثر كفاءة، ومنح المفوضية مرونة أكبر لتحويل الأموال بين السياسات وفقًا للمتغيرات.
ومع ذلك، تصرّ برلين على الحفاظ على البرامج الجوهرية التي تستحوذ على أكثر من نصف الإنفاق الحالي، وعلى رأسها السياسة الزراعية المشتركة وصناديق التماسك الموجهة للمناطق الفقيرة.
الحفاظ على الزراعة
ترفض ألمانيا مقترحًا سابقًا من المفوضية بجمع سياسات الزراعة والتماسك في “صناديق وطنية” تديرها الحكومات المحلية، وتؤكد ضرورة إبقاء السياسة الزراعية مجالًا مستقلًا، مشيرةً إلى أهميتها في ضمان الأمن الغذائي والمساهمة في مواجهة التغير المناخي.
كما تدعو إلى الحفاظ على تمويل التماسك، لكن بشكل يعزز الأداء، من خلال آليات قائمة على النتائج وتحفيز الإصلاحات. وتُصر ألمانيا على ربط التمويل باحترام سيادة القانون، كما هو الحال مع العقوبات المفروضة على المجر وبولندا.
رفض واضح لتوسيع الاقتراض
في ختام الوثيقة، تؤكد برلين رفضها التام لتمديد برنامج الاقتراض المشترك الذي تم إنشاؤه في سياق جائحة كوفيد-19، مشيرةً إلى أن سداد صندوق الـ800 مليار يورو يجب أن يبدأ كما هو مقرر في عام 2028، وأن أي تمديد سيكون غير قانوني.
لكنها أبدت انفتاحًا للنقاش بشأن إنشاء “موارد ذاتية جديدة” على مستوى الاتحاد، مثل الضرائب على الشركات أو الضريبة الحدودية على الكربون، لتقليل تأثير ديون الجائحة على الميزانية، رغم معارضة عدد من الدول الأعضاء لمنح بروكسل سلطة فرض الضرائب.