قمة سعودية بريطانية في لندن تحدد معالم شراكة استراتيجية متكاملة

قمة سعودية بريطانية في لندن تحدد معالم شراكة استراتيجية متكاملة

خاص – الوئام

في خطوة تعكس رغبة مشتركة لتعزيز الشراكات الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية، عقدت المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة قمة استثمارية رفيعة المستوى في العاصمة البريطانية لندن، شارك فيها أكثر من 400 مسؤول وصانع قرار من كلا البلدين.

تأتي القمة في ظل تحولات عالمية تتطلب مقاربات اقتصادية مبتكرة وتعاونًا عابرًا للحدود.

عُقدت قمة “الاستثمار والشراكة السعودية البريطانية” الأربعاء 11 يونيو في قصر مانشن هاوس بلندن، بهدف بحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والمالية بين البلدين. وقد نظم القمة مجلس الأعمال السعودي البريطاني المشترك (SBJBC-UK) واستضافتها مؤسسة مدينة لندن، وترأستها من الجانب البريطاني وزيرة الدولة للاستثمار، البارونة بوبي غوستافسون، ومن الجانب السعودي وزير الاستثمار، المهندس خالد الفالح.

حضور رفيع المستوى وبحث أوجه التعاون

شارك في القمة عمدة مدينة لندن، ألدرمان ألاستير كينغ، إلى جانب أكثر من 400 من كبار صناع السياسات وقادة الأعمال من البلدين، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بتعزيز الروابط الاقتصادية السعودية البريطانية في مرحلة التحول العالمي.

ركزت المناقشات على استراتيجيات استثمارية مبتكرة، ودور التكنولوجيا الحديثة ورأس المال الاستثماري في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى مستقبل المدن الذكية والبنية التحتية المستدامة، وهي مجالات تُعد ركائز أساسية لرؤية السعودية 2030.

رؤية مشتركة للمستقبل الصناعي

ناقش الجانبان فرص تعزيز التعاون الاستثماري والشراكة الاستراتيجية، والأولويات الوطنية المشتركة، ضمن إطار رؤية السعودية 2030، واستراتيجية المملكة المتحدة الصناعية “UK Invest 2035”.

وأعرب الطرفان عن رغبتهما في توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعبئة رؤوس الأموال للمشاريع العقارية والبنية التحتية واسعة النطاق، ودعم بيئة رأس المال الجريء، واستكشاف مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الفضاء والتقنية النظيفة والابتكار العميق.

شركات بريطانية تتوسع في السعودية

أثمر النمو الاستثماري المتسارع في المملكة عن تأسيس 50 شركة بريطانية مقارّ إقليمية جديدة لها في السعودية، لتنضم إلى أكثر من 1300 شركة بريطانية تعمل حاليًا داخل المملكة.

وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 17 مليار جنيه إسترليني، مع توقعات بزيادة النمو تماشيًا مع أهداف رؤية السعودية 2030.

أكد بيتر أشبي، نائب المفوض التجاري البريطاني للشرق الأوسط، أن الشراكة بين المملكة المتحدة والسعودية تقوم على علاقات راسخة من الصداقة والاحترام المتبادل، مشيرًا إلى التزام الطرفين بتعزيز التعاون في القطاعات المستقبلية وخلق فرص عمل نوعية ضمن الرؤى الاقتصادية لكلا البلدين.

مجلس الشراكة الاستراتيجية

أشار أشبي إلى أن مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بقيادة وزير التجارة السعودي ماجد القصبي ونظيره البريطاني جوناثان رينولدز، يشكل ركيزة أساسية لدفع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية.

ومن أبرز المبادرات المشتركة حملة “Great Futures”، التي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التجارة، والسياحة، والابتكار، والثقافة، وأسفرت عن أكثر من 50 اتفاقية في قطاعات حيوية ووفرت آلاف الوظائف في كلا البلدين.

اتفاقيات ضخمة واستثمارات نوعية

من أبرز الاتفاقات ضمن حملة “مستقبل مشترك” كان الاتفاق بين شركة HYCAP البريطانية وشركات سعودية على استثمارات تتجاوز 750 مليون جنيه إسترليني في مشاريع البنية التحتية للهيدروجين، ما وفّر أكثر من 1000 وظيفة في المملكة المتحدة.

وأكد أشبي أن بريطانيا تعمل على مواءمة خبراتها مع أولويات التحول الاقتصادي السعودي نحو اقتصاد غير نفطي، مستفيدة من مكانتها الرائدة في مجالات الطاقة، والخدمات المالية، والتصنيع المتقدم، والتقنيات النظيفة.

مشاريع البنية التحتية والتعليم والبحث العلمي

أعلنت لندن والرياض عن تأسيس “جمعية البنية التحتية المستدامة” لتعزيز التعاون في مشاريع البنية التحتية، كما تم تشكيل شراكات بحثية بين مؤسسات بريطانية وسعودية، مثل التعاون بين جامعة أكسفورد وجامعة الملك عبدالعزيز في مجال الذكاء الاصطناعي.

كما أُطلق “جسر للاستثمار في الابتكار” بين شركة Phytome البريطانية وهيئة البحث والتطوير السعودية لتسريع التعاون في قطاعات الأدوية، والمواد المتقدمة، والزراعة الذكية.

مشاركة بريطانية واسعة في المشاريع العملاقة

تلعب الشركات البريطانية دورًا متناميًا في مشاريع السعودية الكبرى، مثل نيوم والبحر الأحمر، مستفيدة من خبراتها في الاستدامة والتكنولوجيا المتقدمة. ومن أبرز تلك المشاركات، إعلان شركة Graphene Innovations عن إنشاء أول مصنع تجاري للألياف الكربونية المدعّمة بالغرافين ضمن مشاريع نيوم.

ومن المتوقع أن يوفر المصنع أكثر من 1000 وظيفة في مانشستر، و4500 وظيفة في السعودية بحلول عام 2030، مع عوائد تتجاوز 1.6 مليار دولار.

الشراكة في الطاقة النظيفة والأسواق المالية

تبلغ قيمة الشراكات البريطانية السعودية في مجال الطاقة النظيفة نحو 7.7 مليارات جنيه إسترليني، وتوفر أكثر من 4000 وظيفة في المملكة المتحدة.

كما تستفيد السوق السعودية من خبرات لندن المالية، حيث تم طرح جميع إصدارات الصكوك والسندات السعودية في بورصة لندن خلال عام 2024.

وتسهم الشركات البريطانية في تطوير أسواق مالية سعودية متقدمة، ما يسهل وصول الشركات السعودية إلى الاستثمارات العالمية.

التطورات الإقليمية والتنسيق السياسي

عقد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، اجتماعًا في لندن في 13 يونيو 2025 مع نظيره البريطاني، ديفيد لامي، تناول خلاله سبل تعزيز العلاقات الثنائية، إلى جانب مناقشة أبرز التطورات الإقليمية، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية السعودية.

وشهد اللقاء تبادل وجهات النظر حول التعاون المشترك، والتأكيد على مواصلة التنسيق لمواجهة التحديات الإقليمية، بحضور الأمير مصعب بن محمد آل فرحان، مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية.

ويأتي هذا اللقاء قبل أيام من انعقاد المؤتمر السعودي الفرنسي حول فلسطين، المقرر عقده في نيويورك الأسبوع المقبل، والذي يسعى إلى إعادة إحياء الزخم الدولي لحل الدولتين، ووضع خارطة طريق نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.