باحثون من جامعة هارفارد يكشفون عن “المادة المفقودة” في الكون

باحثون من جامعة هارفارد يكشفون عن “المادة المفقودة” في الكون

كشفت دراسة علمية حديثة عن موقع النصف “المفقود” من المادة العادية في الكون، والتي لطالما حيّرت العلماء رغم معرفتهم بوجودها من خلال الحسابات المرتبطة ببقايا الضوء الناتج عن الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار عام.

ووفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة Nature Astronomy، فإن هذه المادة العادية، والمكوّنة من البروتونات والنيوترونات المعروفة باسم “الباريونات”، كانت متوزعة على شكل غاز رقيق للغاية في المساحات الشاسعة بين المجرات، ويُعرف هذا الوسط باسم “الوسط بين المجري” (Intergalactic Medium)، ويشبه ضبابًا كونيًا باهتًا.

وبخلاف “المادة المظلمة” الغامضة التي تُشكّل نحو 85% من الكتلة الكونية ولا تزال طبيعتها مجهولة، فإن المادة العادية – وهي ما تتكوّن منه النجوم والكواكب والبشر – معروفة التركيب، لكن تحديد أماكن وجودها بدقة كان تحديًا علميًا استمر لعقود.

موجات راديوية تفتح نافذة على الفضاء السحيق

نجح العلماء في رصد هذه المادة عبر تتبع 69 انفجارًا راديويًا سريعًا (Fast Radio Bursts – FRBs)، وهي ومضات قصيرة لكنها قوية من الموجات الراديوية قادمة من أعماق الكون. هذه الومضات تتبعثر عند مرورها عبر الفضاء، ويختلف مقدار التبعثر تبعًا لكمية المادة الموجودة في طريقها، ما يتيح قياس كمية المادة المنتشرة في الكون.

ومن بين هذه الومضات، تم اكتشاف 39 باستخدام شبكة من 110 تلسكوبات في مرصد أوينز فالي التابع لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بينما جاءت البقية من مراصد أخرى. وتراوحت المسافة التي قطعتها هذه الإشارات بين عدة مليارات من السنين الضوئية، وصولًا إلى 9.1 مليار سنة ضوئية، وهو أبعد مصدر لرصد انفجار راديوي حتى الآن.

توزيع المادة العادية في الكون

بحسب النتائج، فإن المادة العادية موزعة على النحو التالي:

76% في الفضاء بين المجرات.

15% في “هالات” تحيط بالمجرات، بما في ذلك درب التبانة.

9% فقط داخل المجرات، على شكل نجوم أو غاز.

كيف ضاعت هذه المادة؟

يرجّح العلماء أن هذه المادة طُردت من المجرات خلال أحداث كونية عنيفة، مثل انفجارات النجوم العملاقة (السوبرنوفا)، أو “تجشؤ” الثقوب السوداء الهائلة لمواد بعد ابتلاعها. وبدلًا من أن تبقى هذه المادة داخل المجرات لتُشكّل نجومًا جديدة، فإنها نُثرت في أرجاء الفضاء البعيد.

البروفيسور ليام كونور من جامعة هارفارد، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة، أوضح أن “الكون ليس نظامًا ساكنًا، والفيزياء التي تحكمه معقدة. فلو كان أبسط، لربما استقرت كل المادة العادية داخل المجرات. لكن بدلًا من ذلك، وجدناها تنتشر في شبكة كونية ضبابية”.

ومع إغلاق هذا الفصل العلمي، يتطلع الباحثون إلى المرحلة التالية من البحث: محاولة فهم المادة المظلمة، ولماذا يستعصي قياسها على العلماء حتى اليوم.