هل نعيش تجربة ولادة جديدة؟

هل نعيش تجربة ولادة جديدة؟

د. سعود النداح – مستشار اجتماعي

في لحظات العزلة، يتسلل إلى أعماقنا سؤال مفاجئ: هل نستطيع أن نولد من جديد؟

ذلك السؤال يولد من ومضة شعور أحيانًا، أو من نداء داخلي يشبه الحنين، من توترات داخلية تُشعل فينا رغبة في الفهم، وتوقًا لأن نرتفع من أعماق الألم إلى سطح الحياة من جديد.

في لحظة ما، نشعر أن ما كان يومًا مؤلمًا لم يعد كذلك، وأن الحزن الذي ظل يرافقنا طويلاً قد تلاشى في حلم مضى، ولم يعد يعني لنا الكثير.

هناك طاقة عميقة نشعر بها، طاقة تُنذر بأننا نعيش غالبًا لنُشبه ما حولنا. نتقمّص أدوارًا ونعيش أيامًا متشابهة، نعلّق أحلامنا مساءً، ثم نستيقظ لنجد أننا نُعيد الدورة نفسها دون إدراك.

لكن ذاك السؤال – رغم بساطته – يُخفي خلفه طاقة تحول عظيمة.
هو باب لنسخة جديدة منّا، نسخة أكثر وعيًا، وأكثر قوة، وأكثر صفاء.

إنها لحظة صلح مع ما لا يمكن تفسيره، لحظة نقول فيها لأنفسنا: “نعم، ربما انتهى شيء ما، لكن كان من الحسبان أن ينتهي. وقد حان الوقت لأن نُولد من جديد.”

غالبًا ما تأتي ولادتنا الحقيقية بعد جرح كبير، أو صفعة من الحياة على هيئة درس.
لكن العجيب أن هذه الولادة لا تُشبه بداية جديدة صاخبة، بل هي خفّة داخلية، وتحرر من قيود لم نكن نراها.

نولد من جديد حين نطرح على أنفسنا سؤالاً غير متوقّع،
حين نغوص في ظلمة لم نعد نخافها،
حين نختنق، فنغضب، ثم نتغيّر دون أن نلاحظ أننا تغيّرنا فعلاً.

ولادة الروح لا تحدث فجأة، بل تبدأ بإشارة، ثم بصمت، فبألمٍ خفيف، ثم خسارة، ثم بنور خافت ينبثق من الداخل.

نولد حين نكسر قناعًا قديمًا،
وأيضًا حين نترك دورًا لم يعد يُشبهنا،
حين نلتفت فجأة إلى أنفسنا، فنجدنا مختلفين، هادئين، ناضجين، حقيقيين، متقدمين.

نعم، نتعلّم.
ولكن إن لم نتغيّر، لن نولد من جديد.
وإن لم نواجه، سنظل نسير في حلقةٍ مفرغة من الوعي الناقص.

عندما لا تعود كما كنت، فأنت اخترت أن تبدأ من جديد.
ليس كضحية، بل كمسؤول لرحلةٍ مختلفة.
فكل لحظة نختار فيها أن نبدأ من جديد، ونضع الخطوة الأولى، هي إعلان ولادة جديدة لأرواحنا.