سر المقعد 11A: منفذ للنجاة من حوادث الطائرات أم مجرد أسطورة؟

في قصتين مذهلتين لحادثتي تحطم طائرتين مروعتين، يبرز قاسمًا مشتركًا غريبًا: المقعد 11A. فهل يمكن أن يكون مجرد رقم مقعد هو مفتاح النجاة من كارثة جوية؟ هذا التساؤل دفع الكثيرين للبحث في الإحصائيات والتكهنات، بينما يميل الخبراء إلى تفسيرات أكثر تعقيدًا.
ناجيان من الموت.. “معجزة المقعد 11A”
تصدرت قصة فيشواشكومار راميش، الناجي الوحيد من تحطم طائرة الخطوط الجوية الهندية الذي أودى بحياة 241 شخصًا على متنها وعدد آخر على الأرض بعد دقائق من إقلاعها الخميس الماضي، عناوين الأخبار العالمية. تحطمت طائرة بوينج 787-8 دريملاينر في نزل كلية طب بمدينة أحمد آباد شمال غرب الهند، وسط ألسنة اللهب، وتحولت معظم جثث الركاب إلى ما يصعب التعرف عليه. لكن الشرطة أكدت أن راميش كان جالسًا بالقرب من مخرج الطوارئ وتمكن من القفز منه بعد الارتطام.
أطلقت وسائل الإعلام البريطانية على الحادثة اسم “معجزة المقعد 11A”، بعد أن أكدت بطاقة صعود راميش للطائرة المتجهة إلى مطار جاتويك بلندن أنه كان يجلس في هذا المقعد. لكن المغني والممثل التايلاندي جيمس روينجساك لويشاك، وهو أحد الناجين من حادث تحطم طائرة الخطوط الجوية التايلاندية المميت عام 1998، وصف الأمر بأنه “مصادفة غريبة”.
كتب لويشاك على فيسبوك الجمعة: “ناجٍ من حادث تحطم طائرة في الهند. جلس في نفس مقعدي 11A”.
وفقًا لشبكة سلامة الطيران، تحطمت طائرة إيرباص A310 التي كان يستقلها لويشاك عام 1998 أثناء اقترابها من مطار سورات ثاني، ما أسفر عن مقتل 101 شخص. تحطمت الطائرة وسط أمطار غزيرة، بعد محاولتها الثالثة للهبوط في المطار الواقع على بعد 500 كيلومتر جنوب غرب بانكوك. ومع ذلك، نجا 45 شخصًا، بمن فيهم لويشاك.
وفي توضيح لاحق، كتب لويشاك باللغة التايلاندية أنه لا يمتلك تذكرته أو بطاقة صعوده من الرحلة، لكنه ادعى معرفة رقم مقعده بناءً على مخططات المقاعد عبر الإنترنت لطائرته، والتي شاركها في منشوره. وقال لصحيفة “ذا تلغراف أونلاين إنديا” يوم الإثنين: “كانت تلك مصادفة غريبة. من النوع الذي يثير القشعريرة”.
مجرد مصادفة أم سر المقعد؟ آراء الخبراء
بعد أن شارك لويشاك منشوره، بدأت القصة تنتشر بسرعة، وتساءل بعض المعلقين عبر الإنترنت عما إذا كان هناك شيء ما في المقعد 11A يجعله أكثر أمانًا من غيره. ولكن هذا ليس رأي خبراء الطيران وطب الكوارث، الذين يتفقون على أن جميع حوادث التحطم فريدة من نوعها، وهناك عدد من العوامل العشوائية التي يمكن أن تحسن فرص النجاة، لذا فالأمر يتعلق بتوافق كل تلك المتغيرات.
قال ميتشل فوكس، مدير مؤسسة سلامة الطيران، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، في تصريح سابق لوكالة رويترز: “كل حادث يختلف عن الآخر، ومن المستحيل التنبؤ بإمكانية النجاة بناءً على موقع المقعد”. بالإضافة إلى ذلك، يقع المقعد 11A في أماكن مختلفة على متن الطائرات المختلفة، اعتمادًا على تكوين الطائرة.
في حالة راميش، كان المقعد 11A على متن طائرة بوينج 787-8 دريملاينر هو الصف الأول في الدرجة الاقتصادية، خلف مخرج الطوارئ مباشرة. ولكن في طائرة إيرباص A310، وفقاً لصور على موقع Seat Guru ورسم بياني لمخطط المقاعد شاركه لويشاك على فيسبوك، يقع المقعد 11A على بعد بضعة صفوف أمام مخرج الطوارئ.
بشكل عام، الجلوس بالقرب من مخرج الطوارئ يمكن أن يحسن فرص الإخلاء، خاصة في حوادث التحطم التي يمكن النجاة منها والتي تشمل حريقاً أو دخاناً، كما قال ستيفن وود، الأستاذ المساعد في الطب السريري بجامعة نورث إيسترن في بوسطن وخبير طب الكوارث وخدمات الطوارئ الطبية.
ومع ذلك، في حادث تحطم قوي الارتطام، مثل ذلك الذي وقع في الهند، تصبح إمكانية النجاة بناءً على موقع المقعد أكثر تعقيدًا، حسبما أوضح لشبكة CBC News.
أضاف وود أن مقاعد صفوف الطوارئ غالبًا ما تكون بالقرب من الأجزاء المقواة من هيكل الطائرة. كما أنها تقع بجوار المكونات الهيكلية مثل امتداد الجناح، والتي يمكن أن تكون مواقع دمار كبير. ومتحدثًا خصيصًا عن تجربة راميش، قال: “في هذه الحالة، حقيقة أن الناجي كان جالسًا هناك قد تكون دربًا من الحظ، لكنها ليست ضمانًا للسلامة في معظم حوادث التحطم… لذا نعم، قد يكون مقعده قد ساعد، لكن النجاة على الأرجح اعتمدت على أكثر من ذلك بكثير”.
كل حادث يختلف.. عوامل متعددة للنجاة
وباختصار، لا يهم حقًا أين تجلس، حيث أن كل حادث يختلف عن الآخر، كما يقول الخبراء. وقد صرح دانيال كواسي أدجيكوم، باحث سلامة الطيران في جامعة نورث داكوتا، لموقع Live Science في وقت سابق من هذا الشهر: “الأمر كله يعتمد على ديناميكيات التحطم”.
وقد وجدت دراسة أجرتها مجلة Popular Mechanics عام 2007 لحوادث التحطم منذ عام 1971 أن الركاب باتجاه مؤخرة الطائرة لديهم فرص نجاة أفضل. ويقترح بعض الخبراء أن قسم الجناح يوفر مزيدًا من الاستقرار (مع الإقرار أيضًا بخطر التواجد فوق خزانات الوقود). وخلصت دراسة أجرتها مجلة Time عام 2015 إلى أن المقاعد الوسطى في مؤخرة الطائرة كانت تتمتع بأعلى احتمالية للنجاة.
الجلوس بجوار باب خروج الطوارئ، كما فعل راميش، يمنح الأشخاص فرصة ليكونوا من أوائل الركاب الذين يخرجون في حال تحطم الطائرة، على الرغم من أن بعض المخارج لا تعمل بعد التحطم. على سبيل المثال، ذكر راميش أن الجانب المقابل من الطائرة كان محشورًا بجدار المبنى الذي تحطمت فيه. وهذا ربما منع أي شخص قد يكون نجا من الارتطام على الجانب الأيمن من الطائرة من الهروب عبر مخرج الطوارئ هذا.
وقال وود لشبكة CBC News: “من منظور فني، عادة ما تكون النجاة في هذه الأنواع من الأحداث ناتجة عن تضافر عوامل نادرة ولكن قابلة للتفسير، بما في ذلك نمط تفكك الطائرة، ديناميكيات الارتطام، وضع الناجي وحالته، وأحياناً مجرد توقيت بالثواني”.
“ما وراء أرقام المقاعد”.. منظور جديد للحياة
في منشور على فيسبوك يوم الأحد، أشار لويشاك إلى أن قصته “تنتشر الآن في العديد من البلدان”. لكنه قال: “ما أرغب حقًا في مشاركته يتجاوز أرقام المقاعد”. وأضاف: “أريد أن أخبر العالم بما منحتني إياه هذه التجربة – ليست مجرد النجاة، بل منظور جديد تمامًا للحياة”.
كانت طائرة الخطوط الجوية التايلاندية التي تحطمت في 11 ديسمبر 1998 تقل 132 راكبًا و14 من أفراد الطاقم. وعمل مئات عمال الإنقاذ وسط مستنقع موحل لانتشال الجثث المتفحمة من الحطام. نجا لويشاك، لكنه عانى من إصابات خطيرة، بما في ذلك كسور في الأضلاع، وصدمة في العمود الفقري، ونزيف في المخ. وقضى أكثر من عام في التعافي، حسبما روى لصحيفة “ذا تلغراف” الهندية. وعلى الرغم من أنه كان نجم بوب معروفاً، إلا أنه قال إنه كان عليه أن يعتاد على نوع مختلف من تسليط الضوء من سرير مستشفاه.