العدالة المتوازنة في نظام مكافحة التحرش: حماية مزدوجة للضحية والمتهم.

العدالة المتوازنة في نظام مكافحة التحرش: حماية مزدوجة للضحية والمتهم.

صحيفة الوئام – حوار: هيئة التحرير

في ظل التطورات التشريعية المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز نظام مكافحة التحرش كأحد النماذج القانونية التي راعت التوازن الدقيق بين حماية الضحايا وضمان عدم إساءة استخدام النظام في الإضرار بالأبرياء· لم يعد الحديث عن التحرش مقتصرًا على المعاقبة فحسب، بل أصبح يشمل حماية المنظومة العدلية من البلاغات الكيدية، وإرساء مبدأ العدالة المتوازنة·

لإلقاء الضوء على هذه المعادلة الدقيقة، التقت صحيفة الوئام بالمحامي الدكتور عبداللطيف عبدالله الخرجي، أستاذ القانون في جامعة الأصالة، وعضو الجمعية العمومية لجمعية “ابتسام” لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي أكد أن النظام جاء في لحظة تاريخية حساسة، تعكس وعي المشرّع السعودي بتركيبة المجتمع ومتغيراته·

أشار إلى أن نظام مكافحة التحرش، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/96)، و تاريخ 16/9/1439هـ، لم يأتِ فقط لتجريم الفعل، بل لحماية المجتمع من تبعاته، سواء من جهة وقوع الجريمة أو من جهة الادعاء الكاذب بها·

هذا التوجه يدل على نضج قانوني كبير ورغبة في إحاطة الموضوع من كافة الزوايا·

وينص النظام، بحسب المادة السادسة، على أن مرتكب جريمة التحرش يُعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سنتين، أو بغرامة تصل إلى مائة ألف ريال، أو بكلتا العقوبتين، ما يعكس خطورة الجريمة على الضحية والمجتمع· إلا أن ما يميّز النظام بحق هو ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة السابعة، التي تجرّم البلاغ الكيدي بنفس العقوبة المقررة لجريمة التحرش، في حال ثبت كذب الادعاء·

المشرّع السعودي أكد أن كرامة الإنسان مصونة في جميع الأحوال، سواء كان ضحية لجريمة أو ضحية لادعاء كاذب، ولذلك شدد على عدم التساهل مع من يستغل النظام للتشهير أو تصفية الحسابات· فالمساواة في العقوبة بين المتحرش ومن يتعمد البلاغ الكاذب، تحمل رسالة قانونية قوية مفادها أن العدالة لا تنتصر لطرف على حساب آخر، بل تضع كرامة الإنسان وحمايته في مقدمة الأولويات·

ولأن النظام يستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن هذا التوجه لا يُعد فقط التزامًا قانونيًا، بل امتدادًا لقيم دينية راسخة تحرم شهادة الزور والافتراء· ويستشهد الخرجي بقول الله تعالى: “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا”، وبقول النبي ﷺ: “ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور”، مما يوضح أن الكذب في الإبلاغ يُعد جريمة قانونية وذنبًا شرعيًا·

من الناحية العملية، ساعدت هذه النصوص على تعزيز ثقة المجتمع بالنظام العدلي، وشجعت الأفراد على الإبلاغ الصادق، وفي الوقت ذاته، منعت التلاعب بالنظام القانوني لأغراض شخصية·

وقد شكّل هذا الإطار القانوني رادعًا حقيقيًا لكل من تسوّل له نفسه استغلال القانون ضد الآخرين·

وفي ختام اللقاء، شدد الدكتور الخرجي على أن مواجهة جريمة التحرش لا تعتمد على العقوبات فقط، بل تتطلب نشر الوعي، وترسيخ ثقافة الاحترام، وتعزيز النزاهة في التعامل مع الأنظمة القانونية· فبنهج متوازن كهذا، تسير المملكة نحو بيئة قانونية متماسكة تضمن الحقوق وتحمي الكرامة وتكرّس العدالة·