للسعودية الحق الكامل والسيادة في تطوير الطاقة النووية.

للسعودية الحق الكامل والسيادة في تطوير الطاقة النووية.

الدكتور فيصل الشمري- كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي

مازال هناك فهم خاطئ لسياسة المملكة العربية السعودية من قبل الإعلام الغربي فيما يتعلق باستراتيجية وسياسة المملكة فيما يختص بتطوير قدرتها النووية. يحسب البعض بان هذا الأمر قد لا يحدث بسبب عدم ادراجه اثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض في الاسبوع الماضي. هذا رائ خاطئ لإن للسعودية مبادئ وقيم ثابتة لا تتأثر بأي شيء. المملكة سوف تطور من قدراتها النووية السلمية حسب رؤية قيادتها الرشيدة وفي جدول زمني معين وبالتعاون مع كل الخبرات العالمية بما فيها الخبرات العلمية والتقنية في الولايات المتحدة الأمريكية.

إن البرنامج النووي السعودي قديم وليس وليد زيارة ترامب للسعودية. في عام ٢٠٠٨ ميلادية وقعت المملكة العربية السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لبناء برنامج نووي مدني في السعودية ويكون جزءًا من برنامج «الذرة من أجل السلام». تبع هذا مراقبة الأجهزة الحكومية في السعودية لكل الأنشطة والبرامج النووية التي تقوم بها دول في المنطقة مجاورة لها جغرافيا لمعرفة نياتهم الخاصة بامتلاكك لأسلحة نووية أو حتى في إستخدام الطاقة النووية لاهداف غير مدنية. يجدر الإشارة أيضا إلى السعودية ترسل الاف المبتعثين إلى الخارج ونسبة ليست قليلة منهم تدرس الهندسة والفيزياء الذرية. لذا فالسعودية لديها قوة بشرية كبيرة وعالية المهارة والخبرة في مجال التكنولوجيا النووية بصفة عامة. وفي تطور آخر، أعلن وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري في سبتمبر ٢٠١٨، إن الولايات المتحدة تقترب من العمل مع السعودية لبناء مفاعلات للطاقة النووية.

تحاول بعض مصادر الاعلام الغربي تصوير البرنامج النووي السعودية على انه محاولة امريكية لمنع المملكة من التعاون مع كلا من روسيا والصين في تطوير قدراتها النووية. هذه ايضا مقولة غير صحيحة والسبب هو أن للسعودية إرادة سياسية واضحة ومستقلة تماما عن أي تدخل خارجي في المنطقة. السعودية لا تساوم ما بين الدول من أجل أن تكون لها قدرات وامكانيات نووية للأغراض السلمية. إذا ارادت المملكة أن تتعاون مع الصين أو روسيا في مجال الطاقة الذرية فسوف تقول هذا الكلام علانية وبدون خوف من امريكا او أي قوة سياسية في العالم. السعودية تريد ان تكون منطقة الخليج العربي وكل الكيانات التي هى الشعوب والأقطار الموجودة في الشرق الأوسط منطقة مستقرة لا تتنافس فيها الدول الاجنبية على نقل التكنولوجيا النووية إلى الدول الموجودة بها لزعزعتها.

هناك حاجة ضرورية وماسة لأن تمتلك السعودية مفاعلات نووية. هناك إستهلاك كبير للطاقة النفطية التى تستخرجها المملكة من أراضيها والذي يستخدم في الاستهلاك المحلي وبالذات في استعمال اجهزة التكيف. لذا فسوف يكون هناك عائد إقتصادي نافع للسعودية عن طريق تمكنها من حد الاستهلاك المحلي للبترول وبالتالي التمكن من تصدير كميات كبيرة منه للأسواق العالمية. ولاشك أن هذه السياسة سوف تزيد من أرباح تصدير النفط إلى الخارج. هناك أيضا عامل الطاقة النظيفة وبالتالي فإن استخدام الطاقة النووية سوف يؤدي إلى زيادة الإنتاج من الطاقة المتجددة النظيفة. هناك الكثير من المزايا التى سوف تحصل عليها المملكة من جراء استخدام الطاقة النووية لأنها تمثل خطة اقتصادية شاملة تندرج تحت منظومة “سعودية ٢٠٣٠” والتى تعنى نهضة تنموية شاملة ومتكاملة لكل اوجه الاقتصاد السعودي.

خطوات السعودية نحو تحقيق التنمية النووية للبنية التحتية لانتاج الطاقة في اقتصادها هي تحقيق تقدم سريع في هذا المجال في فترة زمنية محددة وأن لا تستغرق سنوات طويلة. لن تكون السعودية قوة نووية معزولة، على العكس سوف تكون دائما نشطة في مجال السياسة الدولية وسوف تعزز الطاقة النووية التي تملكها من مكانتها الدولية. سوف تكتسب الدبلوماسية العربية والإسلامية أهمية من وجود السعودية كقوة نووية. لن تسعى السعودية لامتلاك أسلحة نووية. السعودية لديها قوة عسكرية كبيرة قادرة على حماية أمن الخليج والمنطقة العربية كلها. القوات السعودية العسكرية التقليدية كافية بأقامة سياسة الردع ضد أي هجوم عسكري محتمل. وفي هذا الصدد، لن تدخل السعودية في سباق تسلح نووي مع أي دول أو كيان سياسي في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي والعربي.

السعودية على استعداد دائم للعمل مع دول اخرى في مساعدتهم على المضي قدما في معرفة المزيد عن استخدامات التكنولوجيا النووية السلمية. المملكة تدرك أن امتلاك القدرة النووية هي مسؤولية ضخمة والسعودية قادرة على القيام بهذه المهام والمسؤوليات. سوف تلتزم المملكة العربية السعودية بكل المعاهدات الدولية التي تنظم العمل بالطاقة النووية.

تبغى السعودية إيضا ان يكون هناك تفهم دولي وإجماع عالمي بشأن حقوقها في تملك الطاقة النووية. البرنامج النووي السعودي سوف يكون خاضعا لاشراف كل أجهزه الدولة في المملكة لضمان سلامة عمله بما يتفق مع مصالح الدولة ومصالح الشعب وسلامة المواطنين ورفاهية مستوى الخدمات والمعيشة، بالإضافة إلى الإلتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية التي تفرضها القوانين الحكومية. أن هناك إجماع داخل السعودية وخارجها على أن هذه الإجراءات التكنولوجية هى امور مدروسة جيدا وسوف تكون عامل على تحقيق الاستقرار الاقليمي.

أسفرت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاخيرة على عدة تعاملات اقتصادية وتجارية محددة هامة وطويلة الأمد. ومن ثم، سوف يكون التعاون الاستراتيجي السعودي-الأمريكي مجال يسمح بتطوير العلاقات النووية ما بين واشنطن والرياض. يعني هذا ان الملف النووي السعودي جاهز للتطبيق حسب جدول زمني معين في أطار منظومة العلاقات الاميركية-السعودية. ولعل حضور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب المنتدى السعودي-الأمريكي للاستثمار هو خير دليل على أن رأس المال متوفر للعمل على تطوير القدرات النووية السعودية. يجب التنويه بضرورة ذكر أشياء حميدة وطيبة عن البرنامج النووي السعودي لأنه موضع تقدير الولايات المتحدة وليس له علاقة بموضوع التطبيع مع إسرائيل، ولأنه جاهز للعمل به وفق معايير معينة تتعلق بخطة النهوض بالاقتصاد السعودي، وهو برنامج سلمي لمنفعة البشرية جمعاء.