لا يمكن أداء الحج بدون تصريح: نموذج وطني للتواصل المؤسسي الفعّال

أ. ريم المطيري
الحج حدث عالمي تظهر من خلاله قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة الحشود و تصنع أنموذجًا إنسانيًا ووطنيًا في التكاتف، والالتزام، ففي كل عام، تثبت المملكة العربية السعودية قدرتها الفائقة على إدارة أكبر تجمع بشري في العالم، بمهنية عالية واحتراف مؤسسي متجذر. ومع قرب موسم الحج، تأتي حملة “لا حج بلا تصريح” كمثال حيّ على نضج الاتصال المؤسسي، حيث تتقاطع الرسائل الأمنية والتنظيمية مع القيم الوطنية والوعي المجتمعي في نموذج فريد من الشراكة بين الدولة بكافة قطاعاتها والمواطن.
فتتجاوز الحملة كونها شعارًا توعويًا، لتصبح سياسة اتصالية متكاملة، تهدف إلى بناء ثقافة احترام الأنظمة، وتعزيز الوعي بمسؤولية كل فرد في إنجاح موسم الحج. فالحصول على تصريح الحج ليس إجراءً إداريًا فحسب، بل التزام وطني، ومشاركة في صناعة موسم آمن وسلس لكل من كتب الله له أداء الفريضة.
وما يلفت النظر في هذه الحملة هو وضوح رسائلها، وقوة انتشارها، واتساقها عبر مختلف القنوات: من الإعلانات الرقمية إلى لوحات الطرق ، ومن الحملات التوعوية إلى البيانات الرسمية. هذه الاتساقية في الرسالة تعكس تخطيطًا اتصاليًا دقيقًا، قاده مختصون في الاتصال المؤسسي مدركون لحساسية الحدث، وتنوع الجمهور، وتعدد اللغات والثقافات.
شراكة وطنية.. و تكاتف ومسؤولية
تبرز حملة “لا حج بلا تصريح”، بوصفها أنموذجًا رائدًا في الاتصال المؤسسي المسؤول، الذي لا يعتمد على الأوامر والتعليمات فقط، بل يبني قناعة مجتمعية، ويخلق شعورًا وطنيًا مشتركًا بأن سلامة الحجاج مسؤوليتنا جميعًا.
حيث تركز على المسؤولية المجتمعية، لا الردع فقط. فالرسائل التوعوية تخاطب الوعي الجمعي، وتؤكد على أن منع غير النظاميين ليس حرمانًا، بل حماية؛ للحاج أولًا، ولأمن الحج ثانيًا.
فالتزام الأفراد بعدم أداء الحج دون تصريح، أو الإبلاغ عن المخالفين، لا يقل أهمية عن الجهود الأمنية والتنظيمية التي تبذلها الدولة.
درس في الاتصال الاحترافي
من زاوية الاتصال المؤسسي، تشكل الحملة أنموذجًا متكاملًا لإدارة الرسائل، فقد راعت طبيعة الجمهور المستهدف، واختلاف وسائط التلقي، وتوقيت بث الرسائل، وأهمية التكرار الذكي للرسائل فانتقلت من مجرد ” منع ” إلى ” إقناع ” ومن ” تحذير” إلى تحمل مسؤولية “مع الحفاظ على وحدة المضمون وروح النظام.
وهو ما يُعدّ من أرقى ممارسات الاتصال في المؤسسات الحديثة.
ولم يكن ذلك ليحدث لولا وجود منظومة اتصال مؤسسي فعالة، جعلت من المواطن شريكًا حقيقيًا، ومن الرسالة أداة بناء، لا مجرد تحذير.