واشنطن تعيد تنظيم وجودها للتصدي للتأثير الصيني في منطقة المحيط الهادئ

خاص – الوئام
في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تعيد واشنطن رسم خطوط المواجهة على الخارطة العسكرية للمنطقة. ففي جزيرة نائية في شمال الفلبين، هبطت طائرة نقل عسكرية أمريكية من طراز C-130 محمّلة بسلاح جديد يُنظر إليه كعنصر رئيسي في استراتيجية الردع الأمريكية ضد التمدد الصيني البحري المتسارع.
المنظومة التي تم إنزالها، والمعروفة باسم نظام البحرية والمارينز لاعتراض السفن (Nmesis)، تمثل تحولًا نوعيًا في قدرات مشاة البحرية الأمريكية، حيث تهدف إلى خلق معادلة ردع جديدة في الممرات المائية الأكثر حساسية في العالم، على بعد 120 ميلًا فقط من تايوان، البؤرة الأكثر قابلية للانفجار في المنطقة.
الاستعداد لحرب محتملة مع الصين
وجود “نميسيس” في جزيرة “باتان” لم يكن مجرد تمرين عسكري تقليدي، بل يُعد اختبارًا استراتيجيًا ضمن خطة أمريكية شاملة لإعادة تأهيل قوات التدخل السريع، بحيث تكون قادرة على مواجهة سيناريو حرب مفتوحة مع الصين.
ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة غارقة في حربي العراق وأفغانستان، كانت بكين تبني أكبر قوة بحرية في العالم، مدعومة بصواريخ بعيدة المدى تستهدف إخراج القوات الأمريكية من المشهد في المحيط الهادئ.
في هذا السياق، يأتي دور “نميسيس” كأداة تكتيكية تهدف إلى تقييد حركة البحرية الصينية. فالصواريخ النرويجية المتطورة التي تطلقها المنظومة تستطيع إصابة أهداف بحرية بدقة عالية من مسافات تصل إلى 115 ميلًا، مع القدرة على التحليق المنخفض وتغيير المسار لملاحقة السفن المتحركة، وفق ما نشرت وول ستريت جورنال الأمريكية.
تكتيكات جديدة في جغرافيا معقدة
ما يميز “نميسيس” هو قدرتها على الإطلاق من اليابسة، وليس فقط من السفن. وهذا ما يسمح بنشرها في جزر وعرة كـ”باتان”، حيث يكون من الصعب اكتشافها أو استهدافها. فالمنصة الرئيسية لإطلاق الصواريخ يتم التحكم بها عن بعد، مما يتيح تشغيلها من مسافة آمنة دون تعريض الطاقم للخطر.
وبحسب العقيد جون لاهين، قائد وحدة المارينز التي نشرت النظام، فإن مجرد وجود “نميسيس” في مواقع استراتيجية يعقّد حسابات الخصوم، ويجعلهم يترددون قبل أي تحرك بحري داخل نطاق التهديد. وأضاف: “بمجرد أن تضع النظام على الأرض، يصبح من الصعب تتبعه. إنه يتحرك، ويختفي، ويعيد الظهور حيث لا تتوقعه”.
“لعبة الكؤوس”: الردع عبر الغموض
يصف خبراء عسكريون انتشار هذه المنظومة في جزر غرب المحيط الهادئ بأنه يشبه “لعبة الكؤوس”، حيث يتم تحريك المنظومة باستمرار لخلق حالة من الغموض والإرباك للخصم، وبالتالي تعزيز عامل الردع.
ويرى روميل أونغ، نائب قائد البحرية الفلبينية السابق، أن نشر هذه المنظومة في بيئة جغرافية معقدة يساهم في تقويض ثقة الخصم بخططه، مضيفًا: “الغموض وحده يصبح أداة ردع فعالة”.
الفلبين شريك استراتيجي متجدد
عودة الوجود العسكري الأمريكي المكثف في الفلبين تأتي في سياق تعزيز الشراكة مع أقدم حليف لواشنطن في آسيا. فقد منح الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن، الجيش الأمريكي حق الوصول إلى قواعد جديدة، ما يمهد الطريق لبناء منشآت وتخزين معدات وتهيئة مسارات للإمداد والصيانة.
هذا التعاون يشمل تدريبات عسكرية مشتركة وتموضعًا مرنًا للقوات الأمريكية، في ظل غياب قواعد دائمة لها على الأراضي الفلبينية. ومع التهديد المتزايد، بات من الضروري نقل الجنود والأسلحة إلى جزر معزولة تحت خطر النيران المعادية.
اختبار واقعي وجاهزية ميدانية
تتدرب وحدات المارينز وسلاح الجو الأمريكي حاليًا على التحليق على ارتفاعات منخفضة واستخدام التضاريس كغطاء، استعدادًا لأي طارئ. يقول الكابتن بنيامين دورسي، قائد سرب النقل الجوي الذي أوصل “نميسيس” إلى “باتان”: “نحن نحلّق منخفضين جدًا، ونتخفى بين الجبال”.
وختم العقيد لاهين بالقول إن نشر “نميسيس” يجب أن يبعث برسالة واضحة للخصوم: “وحدتنا ليست تجريبية كما يظن البعض، وجود الفوج الثالث من مشاة البحرية يعني أن المنظومة حاضرة وجاهزة للقتال”.