مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية: شعلة لا تخبو أبداً

أ.د. إبراهيم بن عقلاء المشيطي
كبير الباحثين – مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
في قلب العاصمة الرياض، تتلألأ مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كشمعة لا تنطفئ، تنير دروب التقدم العلمي والتقني، وتُجسّد طموحات المملكة نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. منذ انطلاقتها، برزت المدينة كأحد أعمدة النهضة الوطنية، وبيت الخبرة الذي يترجم الرؤية إلى واقع، والحلم إلى منجز.
النشأة والرؤية: نحو وطن يرتكز على المعرفة
تأسست مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في عام 1977م، خلال عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – لتكون نواةً لمشروع وطني طموح يسعى إلى ترسيخ مكانة المملكة في ميادين البحث العلمي والابتكار. وقد جاء إنشاؤها تلبيةً لرؤية استراتيجية تهدف إلى بناء مجتمع معرفي متقدم.
ومنذ بدايتها، اضطلعت المدينة بدور محوري في صياغة المستقبل العلمي للمملكة، واضعةً نصب عينيها دعم التنمية المستدامة من خلال تمكين الكفاءات الوطنية، وتوفير بيئة بحثية متقدمة تُسهم في تعزيز تنافسية المملكة وسيادتها التقنية في مختلف المجالات الحيوية.
إنجازات تضيء سماء الابتكار
على مدار أكثر من أربعة عقود، حققت المدينة إنجازات فارقة وضعتها في مصاف المؤسسات العلمية الرائدة إقليميًا وعالميًا. فقد أطلقت أول الأقمار الصناعية السعودية، وأسهمت في تطوير تقنيات الطاقة الشمسية والمتجددة، وأسّست مراكز بحث متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، والفضاء.
كما عملت المدينة على نقل وتوطين التقنية، عبر شراكات استراتيجية مع كبرى الجامعات العالمية، ودعمت مئات الباحثين والمهندسين السعوديين، فكانت الحاضنة التي نمت فيها العقول، والمختبر الذي تحوّلت فيه الأفكار إلى منجزات.
في قلب رؤية المملكة 2030
تلعب مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية دورًا حيويًا في تجسيد رؤية المملكة 2030، حيث تُعد ركيزةً أساسية في مسيرة التحول نحو اقتصاد معرفي، ومجتمع مبتكر. وتسهم في دعم مشاريع كبرى مثل “نيوم” و”القدية” و”البحر الأحمر” عبر تطوير حلول تقنية مستدامة وذكية.
كما تقود المدينة الجهود الوطنية في تطوير الطب الدقيق والعلاج الجيني، وتُسهم في إيجاد حلول نوعية للتحديات البيئية والمائية، من خلال ابتكارات في تحلية المياه، ومعالجة النفايات، وإنتاج الطاقة النظيفة.
برامج تنمية القدرات الوطنية
إيمانًا منها بأن الإنسان هو جوهر التنمية، أطلقت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مجموعة من البرامج النوعية لتأهيل الكفاءات السعودية في مجالات العلوم والتقنية، حيث عملت على توفير فرص للابتعاث الداخلي والخارجي، وتنظيم المؤتمرات والمعارض العلمية، إلى جانب إنشاء حاضنات أعمال ومسرّعات لدعم النمو التقني.
كما حرصت على دعم المشاريع الريادية الناشئة وربط مخرجات البحث العلمي باحتياجات الصناعة، في إطار منظومة متكاملة تعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني وتنهض بالإبداع المحلي. كما حرصت المدينة على تأسيس منظومة وطنية متكاملة للابتكار، عبر شراكات مع الجامعات السعودية والعالمية، في مسعى لبناء مجتمع معرفي يتفاعل مع المستقبل ولا يكتفي بمراقبته.
الشمعة التي لا تنطفئ.. نحو آفاق المستقبل
مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ليست مجرد مؤسسة بحثية؛ إنها رمز وطني، ومنارة إشعاع حضاري تُنير الطريق للأجيال القادمة. ومع تسارع التغيرات العالمية، تتسع رؤيتها لتشمل مجالات متقدمة كالحوسبة الكمية، والروبوتات، والتقنيات النانوية، ما يجعلها شعلة متجددة تقود المملكة نحو مصاف الدول المتقدمة علميًا وتقنيًا.
ومثلما بددت ظلمات الأمس بنورها، فإنها اليوم تزرع الأمل وتبث الإلهام في نفوس الشباب، مؤكدة أن العلم هو الطريق الأقصر نحو الازدهار، وأن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الأجدى.
حين يضيء العلم درب الوطن
وهكذا، تواصل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أداء رسالتها السامية، لا تكتفي بإنارة الحاضر، بل تمضي بثبات لفتح آفاق المستقبل، حاملةً مشعل الابتكار في يد، وراية الوطن في الأخرى. إنها الشمعة التي لا تنطفئ، بل يزداد توهجها كلما تقدمت المملكة بخطوة نحو تحقيق مستهدفات رؤيتها الطموحة 2030.
ومن العاصمة الرياض، ومن قلب المملكة النابض بالطموح، تواصل المدينة دورها كمحرّك للمعرفة ومختبر للأمل، مستلهمةً رؤية المملكة في بناء اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، ووطن طموح. فهي تُسهم في تمكين الكفاءات الوطنية، وتحفيز البحث والتطوير، وتعزيز مكانة المملكة عالميًا في مجالات التقنية والابتكار.
وبينما تُحوّل الأفكار إلى منجزات، والأبحاث إلى حلول، تُؤكد المدينة أن العلم ليس خيارًا، بل ضرورة، وأن المملكة بعلمائها، ومؤسساتها، وقيادتها، تمضي بثقة نحو غدٍ أكثر ازدهارًا، حيث تكون المعرفة وقود التنمية، والابتكار لغة المستقبل.