إطار منهجي لتعزيز تجربة الحج والعمرة ضمن رؤية المملكة 2030

إطار منهجي لتعزيز تجربة الحج والعمرة ضمن رؤية المملكة 2030

البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد

برنامج خدمة ضيوف الرحمن، أحد البرامج الرئيسية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، يُعد نموذجًا رائدًا في إدارة الخدمات الدينية واللوجستية على نطاق عالمي.

أُطلق البرنامج في مايو 2019 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بهدف إثراء تجربة الحج والعمرة والزيارة لضيوف الحرمين الشريفين من خلال تقديم خدمات متكاملة، مستدامة، ومبتكرة.

يعتمد البرنامج العلمي يجمع بين التخطيط الاستراتيجي، التكنولوجيا المتقدمة، والبنية التحتية الحديثة لتحقيق تجربة شاملة تلبي احتياجات ملايين الزوار سنويًا.

يهدف هذا المقال إلى استعراض الإطار العلمي للبرنامج، وإنجازاته منذ التأسيس، مع تسليط الضوء على دوره في تحقيق أهداف رؤية 2030.

الإطار النظري والمنهجية

يعتمد برنامج خدمة ضيوف الرحمن على منهجية علمية ترتكز على التكامل بين القطاعات الحكومية، الخاصة، وغير الربحية، مع الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية والبحث العلمي لتحسين جودة الخدمات. يتأسس البرنامج على خمس ركائز رئيسية:

1. تسهيل الوصول: تقليص الوقت والجهد اللازمين للوصول إلى الحرمين الشريفين.
2. إثراء التجربة: تقديم تجربة دينية وثقافية غنية.
3. تحسين جودة الخدمات: توفير خدمات طبية، لوجستية، وسكنية عالية المستوى.
4. تطوير البنية التحتية: تحديث المرافق والطرق والمنشآت.
5. التكامل المؤسسي: التعاون بين 70 جهة حكومية وخاصة لضمان تجربة متكاملة.

من الناحية المنهجية، يعتمد البرنامج على تحليل البيانات الضخمة (Big Data) لفهم احتياجات الحجاج والمعتمرين، وتطبيق نماذج ذكاء اصطناعي لتحسين إدارة الحشود، بالإضافة إلى دراسات جدوى اقتصادية لضمان استدامة المشاريع.

إنجازات البرنامج منذ التأسيس

منذ إطلاقه في 2019، حقق البرنامج إنجازات ملموسة يمكن تصنيفها كما يلي:

1. تسهيل الوصول والتنقل:

– تقليص مدة إصدار تأشيرات العمرة إلى 5 دقائق من خلال منصات إلكترونية، مما ساهم في زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال 30 مليون معتمر بحلول 2030.

– مبادرة “طريق مكة”، التي خفضت متوسط زمن انتظار الحجاج في المنافذ إلى 15 دقيقة، مع توسيع نطاقها لتشمل 11 مطارًا دوليًا في 7 دول.

– زيادة عدد الرحلات الجوية وتطوير المطارات، مع تحسين خدمات النقل باستخدام حافلات مزودة بتقنيات متطورة، مثل الشاشات التفاعلية التي تدعم لغات عالمية.

2. إثراء التجربة الدينية والثقافية:

– تطوير 40 موقعًا تاريخيًا، مثل جبل النور ومسجد قباء، مع تهيئة مواقع السيرة النبوية، مثل ميدان سيد الشهداء، لربط الزوار بالتراث الإسلامي.
– إطلاق منصة “وفادة” لتدريب العاملين على ثقافة الضيافة، مما ساهم في تحسين جودة التفاعل مع الزوار.
– تقديم تجارب سياحية ثقافية خارج مكة والمدينة، مثل زيارة مواقع التراث العالمي في المملكة.

3. الخدمات اللوجستية والصحية:

– توفير خدمات طبية مجانية تشمل أسطول إسعاف بري بـ133 ممارسًا صحيًا، مع تقديم التأمين الصحي الشامل للحجاج والمعتمرين.
– توزيع 4,879,682 وجبة إفطار صائم في الأسبوع الأول من رمضان، و8,393 مترًا مكعبًا من مياه زمزم، مما يعكس الكفاءة اللوجستية.
– تحسين إدارة الحشود عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما ساهم في تقليل الازدحام في المشاعر المقدسة.

4. تطوير البنية التحتية:

– إنشاء طرق مشاة تربط أحياء مكة بالمسجد الحرام، مع تطوير منظومة الخدمات البلدية.
– إطلاق منصة المدن الذكية لإدارة الأصول البلدية في مكة والمدينة، مما يعزز الكفاءة التشغيلية.
– تحسين المشهد البصري في المدن المقدسة، مع التركيز على الاستدامة البيئية.

5. التكامل والاستدامة:

– التعاون مع القطاع غير الربحي من خلال المنصة الوطنية للعمل التطوعي، مما عزز دور المتطوعين في خدمة الحجاج.
– إطلاق مبادرات تمكين اجتماعي، مثل “رائدات مكة”، لدعم الريادة الاجتماعية للنساء.
– استضافة منتدى العمرة والزيارة لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال في قطاع الخدمات الدينية.

التأثير العلمي والاجتماعي

يعتمد البرنامج على تحليل البيانات لفهم سلوكيات الحجاج، مما يتيح تحسين الخدمات بناءً على احتياجاتهم الفعلية. على سبيل المثال، استخدام نماذج التنبؤ بالحشود ساهم في تقليل الحوادث بنسبة كبيرة خلال مواسم الحج. اقتصاديًا، ساهم البرنامج في زيادة الإيرادات غير النفطية عبر جذب الزوار ودعم القطاع السياحي.

اجتماعيًا، عزز البرنامج من صورة المملكة كمركز عالمي للضيافة الدينية، مع تحقيق رضا مرتفع بين ضيوف الرحمن.

التحديات وآفاق المستقبل

رغم الإنجازات، يواجه البرنامج تحديات مثل إدارة الأعداد المتزايدة للحجاج، وضمان الاستدامة البيئية، والتكيف مع التغيرات المناخية. مستقبلًا، يهدف البرنامج إلى:

– زيادة استخدام التقنيات الذكية، مثل الروبوتات والواقع الافتراضي، لإرشاد الحجاج.
– توسيع نطاق التأشيرات الإلكترونية لتشمل دولًا إضافية.
– تحقيق الاستدامة عبر مشاريع صديقة للبيئة، مثل استخدام الطاقة المتجددة في المشاعر المقدسة.

الخاتمة

برنامج خدمة ضيوف الرحمن يُعد نموذجًا رائدًا

في الإدارة العلمية للخدمات الدينية، حيث يجمع بين التكنولوجيا، البنية التحتية، والتكامل المؤسسي لتقديم تجربة متميزة لملايين الحجاج والمعتمرين.

منذ تأسيسه، ساهم البرنامج في تحقيق نقلة نوعية في تجربة الحج والعمرة، مع تعزيز مكانة المملكة كوجهة دينية وثقافية عالمية.

مع استمرار التطوير، يظل البرنامج ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030، مما يعكس التزام المملكة بخدمة ضيوف الرحمن بأعلى معايير الجودة والكفاءة.

المراجع

– الموقع الرسمي لرؤية المملكة 2030.
– تقارير برنامج خدمة ضيوف الرحمن السنوية.
– بيانات وزارة الحج والعمرة، 2019-2025.