طريق مكة – جدة القديم: شريان تاريخي حيوي يسرد حكايات الحجاج والتجار

طريق مكة – جدة القديم: شريان تاريخي حيوي يسرد حكايات الحجاج والتجار

يُعد طريق مكة – جدة القديم من أبرز الطرق التاريخية التي ربطت بين مكة المكرمة ومدينة جدة، حيث شكّل على مدى قرون شريانًا حيويًا لقوافل الحجاج والتجار القادمين عبر البحر الأحمر. ويجسّد هذا الطريق قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، بوصفه رمزًا للتواصل الحضاري والاقتصادي بين المدينتين المقدستين.

واكتسب الطريق مكانته الاستراتيجية كونه المعبر الوحيد الذي وصل البحر الأحمر بمكة المكرمة، فكان معبرًا لحجاج بيت الله الحرام القادمين من مصر، واليمن، والهند، والحبشة، والسودان، والمغرب، وعدد من الدول الإسلامية الأخرى. كما كان طريقًا تجاريًا رئيسيًا لنقل البضائع من ميناء جدة إلى مكة والمناطق المجاورة.

يمتد الطريق لمسافة تتراوح بين 70 و80 كيلومترًا، عابرًا واديًا رمليًا تحيط به تلال سوداء، ويتميز بتضاريسه المتنوعة من منعطفات ومرتفعات تضفي عليه طابعًا جغرافيًا خاصًا. وقد وصفه الرحالة الإسباني دومينغو باديا، المعروف باسم “علي با الشامي”، عام 1807، بأنه وادٍ رملي تنمو فيه نباتات غير مثمرة، تحيط به جبال تتكون من أحجار رخامية حمراء وأخرى بركانية مغطاة بالحمم السوداء، بالإضافة إلى آثار منازل مهدمة وممر ضيق يشبه المواقع العسكرية. أما المؤرخ إبراهيم رفعت باشا، فذكر عام 1901 أن الطريق رملي وصعب، لكنه مزوّد بمحطات مؤقتة، ويحتوي على مقاطع مغطاة بالحصى ومدرج حجري متعرج قبل دخول مكة، تحيط به جبال سوداء وأشجار متفرقة.

واشتمل الطريق على محطات رئيسية كانت بمثابة نقاط استراحة وتزويد للحجاج بالماء والطعام، من أبرزها: قهوة الرغامة، قهوة الجرادة، محطة بحرة، بالإضافة إلى بلدة حدّاء المعروفة بأسواقها ومساجدها وبساتين الكادي.

ورغم مرور الزمن وتطوّر شبكة الطرق الحديثة، لا يزال طريق مكة – جدة القديم يُستخدم من قبل سكان المناطق المجاورة مثل بحرة وحداء وأم السلم، ويُعتمد عليه كطريق بديل في حالات الطوارئ، كما حدث في أغسطس 2021 عندما تم تحويل الحركة المرورية إليه عقب اندلاع حريق على الطريق السريع.