القضاء الأمريكي يُلغي “يوم الحرية” الجمركي لترمب

القضاء الأمريكي يُلغي “يوم الحرية” الجمركي لترمب

خاص – الوئام

في خطوة قضائية مفاجئة، أصدرت محكمة التجارة الدولية الأمريكية حكمًا بأن برنامج التعريفات الجمركية الذي أطلقه الرئيس دونالد ترمب تحت مسمى “يوم التحرير” غير قانوني، مما يمثل صفعة موجعة للبيت الأبيض ويثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل السياسة التجارية الأمريكية.

يشكّل الحكم القضائي تحديًا مباشرًا لترمب، الذي كان يعتمد على سلطات الطوارئ الاقتصادية لفرض رسوم جمركية واسعة النطاق على واردات من دول متعددة، في محاولة لإعادة التوازن التجاري وتحقيق أهداف “أمريكا أولًا”.

تأتي هذه الخطوة في ظل سباق الإدارة الأمريكية لإنهاء النزاعات التجارية وتوقيع اتفاقيات جديدة، بعد أن علّقت فرض معظم التعريفات المرتفعة وسط ضغوط متزايدة من شركات أمريكية، وبرلمانيين، وأسواق المال العالمية التي عكست ارتياحًا فوريًا بالحكم القضائي.

الحكم القضائي وتأثيره

أوضحت المحكمة أن الرئيس ترمب تجاوز صلاحياته الممنوحة بموجب قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية، الذي استند إليه لفرض التعريفات في 2 أبريل الماضي. وقد شمل الحكم التعريفات الأساسية بنسبة 10% والرسوم الانتقامية الأعلى التي فُرضت على عدة دول، لكنه لم يشمل التعريفات الخاصة بقطاع الصلب والسيارات.

جاء الحكم استنادًا إلى دعاوى قدّمتها شركات صغيرة وولايات أمريكية، اتهمت الإدارة بالتجاوز القانوني. وأكد القضاة أن أوامر ترمب التنفيذية التي أعلنت هذه التعريفات “باطلة ومخالفة للقانون”. ويعكس القرار عدم قدرة الرئيس على استخدام سلطات الطوارئ لتنظيم التجارة بشكل أحادي خارج نطاق ما يسمح به القانون.

ردود فعل البيت الأبيض

على الفور، انتقد المتحدث باسم البيت الأبيض الحكم واصفًا إياه بأنه تدخل من قضاة غير منتخبين في إدارة حالة طوارئ وطنية. وأكد أن ترمب ملتزم باستخدام كافة أدوات السلطة التنفيذية لحماية الاقتصاد الأمريكي.

من جانبه، وصف مستشار ترمب البارز ستيفن ميلر الحكم بأنه “انقلاب قضائي خارج السيطرة”، مما يعكس التصعيد بين السلطتين التنفيذية والقضائية في الولايات المتحدة بشأن صلاحيات الرئيس.

يضع هذا الحكم ضغوطًا كبيرة على الإدارة، التي كانت قد تراجعت بالفعل عن بعض التعريفات الأكثر حدة، خصوصًا على الصين، في محاولة لتهدئة الأسواق والتفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة.

تأثير الحكم على الأسواق والاقتصاد الأمريكي

شهدت الأسواق المالية العالمية ارتياحًا سريعًا، حيث ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 0.8%، وارتفع مؤشر ناسداك التقني بنسبة 1.5%، فيما استقر مؤشر أوروبا 600.

ورغم هذا الارتياح، فإن الشركات الأمريكية التي عانت من تأثيرات التعريفات مثل زيادة تكاليف الاستيراد وتعطل سلاسل الإمداد، احتفت بالحكم باعتباره انتصارًا ضد سياسات ترمب التي رفعت أسعار السلع وأسهمت في خلق عدم استقرار اقتصادي.

التحديات القانونية أمام ترمب 

تضمنت الدعاوى القضائية مطالبات من مجموعة شركات أمريكية قادتها شركة استيراد النبيذ “VOS Selections”، التي أكدت تعرضها لأضرار جراء فرض الرسوم الجمركية. بالإضافة إلى ذلك، شاركت 12 ولاية بقيادة ولاية أوريغون في الدعوى، مؤكدة أن التعريفات سترفع تكاليف المشتريات الحكومية الضرورية.

في جلسات الاستماع، أشار محامو الحكومة إلى أن منع التعريفات سيقوّض قدرة الرئيس على التفاوض في المحافل الدولية، إلا أن القضاة ردّوا بأن السلطة التنفيذية لا يمكن أن تتجاوز حدود القانون، حتى في قضايا السياسة الخارجية.

الصراع على صلاحيات فرض الرسوم الجمركية

بحسب الدستور الأمريكي، يمتلك الكونغرس السلطة الحصرية لتحديد الرسوم الجمركية. لكن إدارة ترمب بررت فرض التعريفات استنادًا إلى قانون الطوارئ الاقتصادية، الذي يسمح للرئيس باتخاذ إجراءات استثنائية عند إعلان حالة طوارئ وطنية.

أعلن ترمب في 2 أبريل أن التهديدات الاقتصادية التي تشكلها ممارسات التجارة غير العادلة من شركاء الولايات المتحدة تستدعي فرض رسوم كوسيلة لحماية الاقتصاد والأمن الوطني، لكن المحكمة اعتبرت أن هذه السلطة لا تشمل فرض تعريفات تجارية واسعة النطاق من دون موافقة الكونغرس.

تداعيات العلاقات الدولية

يأتي هذا الحكم في وقت تشهد فيه العلاقات التجارية العالمية توترًا متزايدًا، خصوصًا بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. وكان ترمب قد وافق مؤخرًا على تأجيل فرض تعريفات بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، كما اتفق الطرفان على تخفيض التعريفات مؤقتًا لمدة 90 يومًا مع الصين.

ورغم التوترات، يحاول البيت الأبيض الحفاظ على ديناميكية تفاوضية، لكن هذا الحكم القضائي يعقّد من قدرة الرئيس على اتخاذ خطوات حاسمة في السياسة التجارية دون دعم تشريعي واضح.

التحديات المستقبلية

تواجه إدارة ترمب الآن مسارين رئيسيين: الاستئناف القانوني لمحاولة عكس الحكم، أو السعي إلى تمرير تشريعات من الكونغرس تمنح الرئيس صلاحيات أوسع. لكن الواقع السياسي المعقّد في واشنطن يجعل من الصعب تحقيق هذا المسار سريعًا.

يرى محللون أن الحكم يشكّل سابقة قانونية قد تؤثر على استخدام صلاحيات الطوارئ في مجالات أخرى، كما يزيد من عدم اليقين حول السياسة التجارية الأمريكية التي كانت محورًا رئيسيًا لترمب في حملته الانتخابية.