الذكاء الاصطناعي والعواطف: هل تراجعنا عن تعبيرنا العاطفي؟

الذكاء الاصطناعي والعواطف: هل تراجعنا عن تعبيرنا العاطفي؟

خاص – الوئام

وسط الطفرة التي يشهدها تطور الذكاء الاصطناعي، تتغير الحدود التقليدية بين ما هو بشري وما هو اصطناعي، حتى في أكثر المجالات خصوصية وإنسانية مثل التعبير عن المشاعر.

لم تعد رسائل الحب، وبطاقات التهنئة، وحتى الاعترافات الشخصية، حكراً على العبارات التي يصوغها القلب وحده.

باتت أدوات الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها “تشات جي بي تي”، حاضرة بقوة في المشهد العاطفي، تقدم اقتراحات لصياغة كلمات يفترض أنها نابعة من شعور صادق.

وبينما يجد البعض في هذه المساعدة فرصة لتحسين قدرتهم على التعبير، يرى آخرون فيها تهديداً لما تبقى من صدق الكلمة البشرية، وخطرا على المهارات الوجدانية التي شكلت جزءاً من التطور الاجتماعي والثقافي.

الكلمات اختفت

منذ ظهوره، لعب (شات جي بي تي) دورًا متزايدًا في سد فجوة التعبير لدى كثيرين، ممن يجدون صعوبة في قول ما يشعرون به.  فقد كتب أحد مستخدميه مخاطبًا والده الفيزيائي المتقاعد “أحبك أكثر من كل الكواركات في الكون”، وهي استعارة علمية جميلة، لكنها قادمة من نموذج لغوي، لا من عقل أو قلب بشري.

وربما ما يدفع الإنسان إلى تفويض مشاعره لآلة، ليس الكسل أو اللامبالاة، بل الخوف من أن يعجز عن التعبير بدقة، أو من أن يبدو ضعيفًا، أو نتيجة تراجع قدرته تدريجيًا على استخدام اللغة كوسيلة حقيقية للتواصل العاطفي، لا كأداء شكلي فحسب.

هل المشاعر تفقد قيمتها حين تُولَد بالذكاء الاصطناعي؟

العبارات الجاهزة، سواء من بطاقة ورقية أو من خوارزمية، تستند إلى قوالب مسبقة. ومع ذلك، لا تزال لها القدرة على تحريك مشاعر المتلقي، لأن القيمة لا تكمن في الصياغة وحدها بل في من يرسلها ولمن.

لكن الخطر الأكبر، حسب ما قاله الباحث لوك برانينغ من جامعة ليدز، لا يتمثل في الاعتماد اللحظي على الذكاء الاصطناعي، بل في ما يسميه “التآكل العاطفي” أو”deskilling”، أي فقدان الإنسان تدريجيًا قدرته على التعبير عن مشاعره دون وسيط تكنولوجي.

هل نثق بالخريطة أكثر من الطريق؟

ربما تكون العلاقة بين اللغة والمكان أكثر تشابهًا مما نظن. منظمة Mountain Rescue البريطانية لاحظت زيادة بنسبة 24% في حالات الضياع في البرية بين عامي 2019 و2024، بسبب الاعتماد الزائد على تطبيقات الخرائط. هذا الاعتماد يولّد وهمًا بالسيطرة، لكنه يضعف الحواس، ويقلل قدرة الإنسان على التفاعل مع الواقع دون وسيط.

الأمر ذاته ينطبق على اللغة؛ فمع ازدياد الاعتماد على خرائط عاطفية تولدها تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتراجع الحضور الحي للمشاعر الأصلية، وتُستبدل بتعابير مصممة مسبقًا، تبدو منمقة لكنها في الغالب تفتقر إلى الصدق، ولا تمثل حقيقة الإحساس كما هو.

صوتنا الأصلي: هل ما زال حيًّا؟

دخل أحد الكتّاب محلًا لبيع بطاقات المعايدة وقرأ جملة تقول: “أين كنا سنكون بدونك يا أبي؟ غالبًا واقفين على الكرسي ونصرخ من الخوف!” جملة فكاهية، لكنها مثلت لحظة صدق أكثر من بعض القصائد الاصطناعية. لأن الفرق الحقيقي بين ما تكتبه بيدك وما يولّده الذكاء الاصطناعي لا يكمن في الجودة اللغوية بل في الصدق العاطفي.

كتب أحدهم: “أحبك كثيرًا.” عبارة بسيطة، ربما تقليدية. لكنها، حين تُكتب بخط اليد، وبدون وسيط رقمي، تصبح أكثر صدقًا وتأثيرًا من أي تشبيه كوني مولد من خوارزمية.

هل نفقد أنفسنا بينما نتكلم؟

“عناق الكون في حضنك”، عبارة صاغها الذكاء الاصطناعي لتلخص علاقة ابنة بوالدها. لكنها دفعت الكاتبة للتساؤل: هل هذه عبارتي حقًا؟ أم أنني مجرد مرآة تعكس ما تقوله لي الآلة؟ بين اللغة والفكر، وبين الشعور والكلمة، تختلط الحدود. فهل نكتب لنُفصح عمّا بداخلنا؟ أم نكتب لنكتشف ما نشعر به أصلًا؟

الخطر الحقيقي لا يكمن في استعارة الكلمات من الذكاء الاصطناعي، بل في الاعتياد على ذلك حتى يصبح إيجاد الكلمات الخاصة فعلاً متروكًا ومهملًا.