كيف وقعت أوكرانيا روسيا في “فخ الشبكة”؟

كيف وقعت أوكرانيا روسيا في “فخ الشبكة”؟

في عملية وُصفت بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم والدقة والتخطيط الطويل، شنّت أوكرانيا، فجر 1 يونيو، هجومًا بطائرات مسيّرة استهدف خمس قواعد جوية داخل العمق الروسي، وُزّعت على مسافات تمتد لأكثر من 8 آلاف كيلومتر.

العملية التي حملت الاسم الرمزي “شبكة العنكبوت”، استهدفت طائرات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية، وألحقت أضرارًا مباشرة بأسطول الطيران الروسي طويل المدى.

هجوم متعدد الجبهات

وقد أكدت وزارة الدفاع الروسية وقوع الهجمات في مناطق: مورمانسك، وإيركوتسك، وإيفانوفو، وريازان، وأمور، مشيرةً إلى تضرر طائرات فقط في مورمانسك وإيركوتسك، بينما تم التصدي للهجمات في المناطق الأخرى. إلا أن صورًا نشرتها لاحقًا أجهزة الأمن الأوكرانية (SBU) أظهرت رئيس الجهاز، فاسيل ماليوك، وهو يراجع خرائط أقمار صناعية لمدرجات المطارات العسكرية الروسية، ما عزّز التأكيد على دقة العملية واتساع نطاقها.

ونقلت “بي بي سي” عن تقارير أفادت بانفجارات سُمعت في مناطق متباعدة، من أقصى شمال روسيا فوق الدائرة القطبية إلى أقصى الشرق في إقليم آمور، ما دلّ على تنسيق دقيق وزمني محكم.

شحنات مموّهة

وأوضح ماليوك أن الطائرات المسيّرة نُقلت إلى داخل الأراضي الروسية داخل أكواخ خشبية وُضعت على متن شاحنات، تم تعديل أسطحها لتكون قابلة للفتح عن بُعد. وعند وصولها إلى مناطق قريبة من المطارات المستهدفة، تم تشغيل هذه الطائرات من داخل الشاحنات دون معرفة السائقين بطبيعة الحمولة.

ونُشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت لحظة انطلاق الطائرات من داخل إحدى الشاحنات، فيما نقلت وسائل إعلام روسية عن أحد السائقين قوله إنه حاول رشق الطائرات بالحجارة لمنعها من الإقلاع، بعد أن فوجئ بخروجها من مؤخرة الشاحنة.

قناة “بازا” الروسية ذات الصلة بالأجهزة الأمنية ذكرت أن السائقين تلقوا تعليماتهم من رجال أعمال طلبوا نقل “أكواخ خشبية” إلى مناطق متعددة، ثم اتصلوا لاحقًا لتحديد مواقع التوقف.

أكثر من 100 طائرة مسيّرة

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في منشور احتفالي، إن العملية استغرقت عامًا ونصف من التحضير، وإن 117 طائرة مسيّرة شاركت في الهجوم، مشيرًا إلى أن كل طائرة كان لها “طيار خاص بها” – ما يرجح أن التحكم تم عبر الإنترنت أو الأقمار الاصطناعية لتجاوز التشويش الروسي.

ووصف خبير الطائرات المسيّرة البريطاني، الدكتور ستيف رايت، العملية بأنها “استثنائية”، موضحًا أن الطائرات المستخدمة كانت نماذج رباعية المراوح (quadcopter) تحمل ذخائر ثقيلة نسبيًا، واستُخدمت بمرونة للتحليق لمسافات قصيرة بعد إدخالها إلى روسيا سرًا.

أهداف نوعية وخسائر استراتيجية

العملية استهدفت قاذفات بعيدة المدى من طرازات “توبوليف 95″، و”توبوليف 160″، و”توبوليف 22″، وهي طائرات قادرة على حمل صواريخ كروز من طراز “Kh-101” ذات رؤوس حربية تزن 400 كغ، والتي استُخدمت مؤخرًا في هجمات على مدن أوكرانية.

وأكدت زيلينسكي أن “روسيا تكبّدت خسائر ملموسة”، موضحًا أن 41 طائرة استراتيجية استُهدفت و”ما لا يقل عن 13 منها دُمّرت”.

وأظهرت صور أقمار صناعية نشرتها شركة Capella Space الأميركية دمارًا جزئيًا وكليًا لأربع طائرات على الأقل في قاعدة “بيلايا” الجوية بإيركوتسك، فيما أكدت مقاطع فيديو متداولة تضرر طائرات في قاعدة “أولينيجورسك” بمورمانسك.

الطائرات التجسسية من طراز A-50 كانت أيضًا ضمن الأهداف، وهي طائرات بالغة الأهمية في جمع الإشارات والرصد الجوي. وتُعد خسارتها كبيرة نظرًا لأن أوكرانيا تعتقد أن روسيا لا تملك سوى 8 وحدات منها.

وشدد رئيس جهاز الأمن الأوكراني على أن “الأهداف كانت شرعية”، كونها تُستخدم في تنفيذ غارات على المدن الأوكرانية.

صمت روسي واحتفاء أوكراني

ورغم ضخامة العملية، التزمت وسائل الإعلام الروسية الرسمية الصمت تقريبًا. واقتصرت التغطية على تصريحات إدارية محلية، ولم تُبث تفاصيل في نشرات الأحد المسائية أو صباح الاثنين.

وفي المقابل، شهدت وسائل التواصل الأوكرانية موجة احتفاء بالعملية، واصفين إياها بـ”العمل الجبّار”، بينما قال زيلينسكي إن تفاصيل العملية “ستُدرّس لاحقًا في كتب التاريخ”.

ووفق تقديرات أوكرانية، بلغت الخسائر الروسية من عملية “شبكة العنكبوت” حوالي 7 مليارات دولار.