واشنطن بوست تتسبب في الجدل بتغيير محتوى تقرير حول مذبحة في غزة

واشنطن بوست تتسبب في الجدل بتغيير محتوى تقرير حول مذبحة في غزة

أشعل تعديل أجرته صحيفة واشنطن بوست على تقرير صحفي حول مقتل عشرات الفلسطينيين خلال توزيع مساعدات غذائية في قطاع غزة، موجة غضب عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات للصحيفة بالرضوخ للضغوط السياسية والإعلامية وبالتواطؤ في تبييض صورة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتعود الواقعة إلى الأول من يونيو الجاري، حين فتحت القوات الإسرائيلية النار على حشود من المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يتجمعون عند نقاط توزيع مساعدات أميركية-إسرائيلية في مدينة رفح ووسط القطاع، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 32 شخصًا وإصابة أكثر من 200 آخرين، بحسب روايات شهود عيان ومسؤولين محليين في غزة.

النسخة الأصلية من تقرير واشنطن بوست كانت قد نُشرت بعنوان: “جنود إسرائيليون يقتلون أكثر من 30 قرب موقع مساعدات أميركي في غزة، بحسب مسؤولين صحيين”.

وجاء في منشور على منصة X أن “ما لا يقل عن 31 شخصًا قُتلوا صباح الأحد في جنوب غزة، عندما فتح جنود إسرائيليون النار على حشود كانت في طريقها للحصول على مساعدات غذائية”.

غير أن الصحيفة عادت بعد يومين، في 3 يونيو، لتُصدر بيانًا قالت فيه إنها حذفت المنشور وعدلت المقال لأنه “لم يستوفِ معايير العدالة الصحفية الخاصة بها”، موضحة أن التقرير “لم يُوضح ما إذا كان إسناد القتل إلى إسرائيل هو موقف وزارة الصحة في غزة أم حقيقة تحقق منها صحفيو الجريدة”، كما أقرّت بأنها لم تُعطِ الوزن الكافي لنفي الجيش الإسرائيلي.

التحديث الأخير أضاف نفيًا قاطعًا من “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، المدعومة من الولايات المتحدة، التي وصفت الاتهامات الموجهة لإسرائيل بأنها “كاذبة تمامًا”. هذا التعديل اعتبره كثير من النشطاء والمراقبين محاولة للتنصل من سرد الحقيقة، خصوصًا أن الرواية الإسرائيلية التي نفاها الجيش ذُكرت في النسخة الأولى في الفقرة الثانية من التقرير.

الكاتب الفلسطيني الحائز على جائزة بوليتزر، مصعب أبو توهة، عبّر عن استيائه قائلًا: “نُقتل في غزة، ثم تتردد الصحافة في تحديد القاتل لأن إسرائيل تنفي؟ نُقتل لكن لا أحد قتلنا؟ بهذه البساطة؟”. وأضاف متسائلًا لماذا لا تُطالب الصحيفة إسرائيل بنشر تسجيلات تُظهر ما تزعم أنه “طلقات تحذيرية”.

الصحفية الاستقصائية ليلى الأريان رأت أن تصحيح الصحيفة جاء فقط لأن الفلسطينيين “مُجردون من الإنسانية وتُشكك وسائل الإعلام في مصداقيتهم، بينما تُؤخذ روايات حكومة تُمارس مجازر جماعية على محمل الجد”.

عدد من رواد مواقع التواصل اتهموا واشنطن بوست بالجبن الإعلامي والتراجع عن نقل حقيقة موثقة، بل وذهب بعضهم إلى القول إن الصحيفة قدمت “اعتذارًا ذليلًا” عن نقلها الحقيقة في البداية. وكتب أحد المستخدمين ساخرًا: “نعتذر لأننا أخبرناكم بالحقيقة أولًا”.

كما طالت الاتهامات البيت الأبيض بممارسة ضغوط مباشرة على الصحيفة، خاصة بعد تغريدة للمتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، قالت فيها تعليقًا على تحديث الصحيفة: “قلنا لكم إننا سنحاسب الأخبار الكاذبة”. كما أشار آخرون إلى تغريدة نشرها الملياردير المؤيد لإسرائيل بيل أكمان، طالب فيها مالك الصحيفة، جيف بيزوس، بالتحقيق في ما أسماه “نشر قصة زائفة”، ما اعتُبر تأكيدًا إضافيًا على خضوع الصحيفة للابتزاز السياسي والاقتصادي.

تأتي هذه الواقعة في سياق أوسع من الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع توزيع المساعدات، والتي أسفرت، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، عن مقتل أكثر من 100 مدني وإصابة المئات منذ إطلاق مؤسسة GHF، التي اتُهمت من قِبل الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية بتحويل المساعدات إلى أداة عسكرية.

وفي تعليق دولي لافت، قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، إن المشاهد “المروعة” لفلسطينيين يُقتلون أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء هي “نتيجة سلسلة من الخيارات المتعمدة التي حرمت نحو مليوني إنسان من أساسيات البقاء”.

وأضاف في منشور على منصة X: “العالم يشاهد، يومًا بعد يوم، مشاهد مروّعة لأناس يُطلق عليهم النار فقط لأنهم يحاولون الأكل”.