ما هو مستقبل المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران؟

الدكتور فيصل الشمري – كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي
ترمب يريد سياسة أمريكية جديدة مع إيران لكنه يريد سياسة واقعية، لن يُعطَى فيها إيران أموالًا طائلة كما فعل الرئيس باراك أوباما. هو أيضًا يريد اتفاقًا منفردًا مع إيران، اتفاقًا بعكس اتفاق المجموعة السداسية مع طهران الذي وُقِّع في عام 2015.
السبب هو أن ترمب يريد أن تكون إيران مسؤولة فقط أمام أمريكا، وألّا تساعد دول أخرى إيران حتى لو كانت حليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا العظمى. ترمب يعتبر هذا السلوك تساهلًا مع إيران بشأن برنامجها النووي.
كانت هناك تعهدات أخذتها إيران على نفسها عندما وقعت اتفاق عام 2015، لكن ترمب لم يكن راضيًا عنها، ولذا فقد انسحبت أمريكا من هذا الاتفاق بعد ثلاث سنوات من توقيعه.
ترمب قلقٌ من أنشطة إيران النووية. ترمب لا يثق في إيران كثيرًا. لكنه يرى أنه لو كانت علاقات أمريكا مع إيران خاضعة بصرامة لاتفاق يحدد ويحد من طموحات إيران النووية، فإن هذا أفضل حل في ظل الظروف الحالية لكبح جماح إيران النووي، ومنعها من امتلاك قنبلة ذرية أو سلاح نووي.
لكن لماذا يقر الرئيس ترمب بحق إيران في تخصيب اليورانيوم؟ السبب هو أن إيران قطعت شوطًا طويلًا في هذا المجال، وأنها لو قامت بهذا بنفسها تحت مراقبة دولية، لكان هذا أقل خطورة من أن تُكلِّف إيران دولة أجنبية بمساعدتها على امتلاك قدرات ومكونات الطاقة الذرية، وربما أيضًا السلاح النووي. كانت هذه تجربة باكستان عندما اعتمدت على الصين في جعلها قوة نووية تمتلك سلاحًا نوويًّا. بمعنى آخر أكثر دقة، أن الرئيس ترمب لا يريد أن تصبح إيران باكستان أخرى.
سوف يستمر ترمب في التفاوض مع إيران لأن المفاوضات معها غير مباشرة، وتتم بمساعي والجهود الحميدة لدول كثيرة. كما أن هناك احتمالًا أن تقوم إسرائيل بقصف المفاعلات والإنشاءات النووية الإيرانية. يدرك ترمب أنه في حال قصف إسرائيل المفاعلات الإيرانية النووية، فإن هذا سوف يؤدي إلى أزمات إقليمية كبيرة.
وقد تهدد تلك الأزمات المصالح الأمريكية في منطقة الخليج على وجه الخصوص أو الشرق الأوسط بصفة عامة. يريد ترمب سياسة خارجية نشطة مع إيران لأنه يرى أن بايدن وأوباما تجاهلَا تصرفات إيران، وهذا ما أدى إلى تصاعد نفوذها في كل من العالم العربي والعالم الإسلامي. يحسب ترمب بأن أي اتفاق نووي ما بين إيران والولايات المتحدة سوف يجعل الجمهورية الإسلامية أكثر مسؤولية وأقل طموحًا في علاقاتها مع العديد من دول العالم، والتي أتت بسياسات وخيمة على تلك الدول التي تعاونت مع إيران.
يحاول ترمب أن يحقق إجماعًا داخل الكونغرس يتفق عليه الجمهوريون والديمقراطيون على سياسة جادة وموحدة وحازمة مع إيران تكون واقعية وتوقف إيران عند حدها، وأن تحرم إيران من أن تحاول نشر نفوذها في الدول القريبة أو البعيدة عنها. ومن ثم يمكن القول بأن لدى الرئيس دونالد ترمب استراتيجية واقعية واضحة وشاملة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يريد ترمب أن يجعل من أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى. لذا فإن زيادة التوتر مع إيران قد يعطي صورة سلبية لإدارته، كما أنه يهدد بشبح الحرب في الشرق الأوسط مرة ثانية. وهذا هو الأمر الذي انتقده ترمب مرات عديدة عندما كان مرشحًا لرئاسة الجمهورية، مذكرًا الشعب الأمريكي بأن حروب الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط في عقد واحد كلفت أمريكا ٨ تريليونات دولار.
ربما ينظر ترمب إلى قدرات إيران النووية في تخصيب معدن اليورانيوم على أنها متذبذبة، فمرة تقوم إيران بمعدل تخصيبٍ عالٍ، ومرة أخرى يتعثر هذا التخصيب، وتارة يكون التخصيب بمعدلٍ قليلٍ، وهكذا. ومن المرجح أن يكون لأمريكا مصادر معلوماتٍ مفصلة ودقيقة عن قدرات إيران العلمية والتكنولوجية في تخصيب معدن اليورانيوم.
ربما تكون معلومات أمريكا متفقة بأن إيران لا تُجرِي عمليات تخصيب اليورانيوم بدقةٍ، وبطريقةٍ سلسةٍ، وبطريقةٍ آمنة. ويعني هذا أن هناك تسريبات لإشعاعات نووية عندما تقوم إيران بتخصيب عنصر اليورانيوم. ومن الأكيد أيضًا أن الرئيس ترمب لديه رغبة شخصية في أن يعرف المواقع النووية السرية لإيران. ولعله سوف يدمج هذا المطلب في مفاوضات حكومته مع إيران. ومن المحتمل أن يكلف الرئيس ترمب أجهزة المخابرات الأمريكية بتكثيف أنشطتها لمعرفة برامج إيران النووية وأين تخفي المحطات الذرية المخبأة وأجهزتها. وقد تكون هناك صور التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية والغربية للمواقع النووية السرية وما بداخلها من مولدات للطاقة الذرية.
يريد ترمب أن تخصب إيران اليورانيوم باستخدام أجهزة غير متقدمة تكنولوجيًّا ولهذا يكون معدل إيران في تخصيب اليورانيوم بطيئًا وحثيثًا. وقد يكون هناك احتمال آخر بأنه حتى لو امتلكت إيران كميات كبيرة من اليورانيوم وأن أجهزة الطرد المركزي متقدمة، فإن إيران لا تستطيع تخصيب اليورانيوم بدرجة مرتفعة جدًا لأن تلك العملية قد تكون أكثر تعقيدًا من أن تكون إيران قادرة على تحمل واستيعاب نتائجها التكنولوجية. هناك وسائل عديدة لتخصيب اليورانيوم، مثل استخدام أشعة الليزر. لكن في معظم الحالات لا تملك إيران القدرة على استخدام الليزر في عملية تخصيب اليورانيوم. كل هذه النقاط مطروحة أمام المكتب البيضاوي بالتأكيد.
ترمب قلقٌ ويخشى إيران، وهو دائمًا يتصور بأن إيران خطر على السلام الإقليمي والدولي. وهو على دراية بأن إيران النووية التي تملك سلاحًا نوويًّا وهي معزولةٌ، أكثر خطورة بكثير لو تملكت إيران قدرات نووية مراقبة من عدة دول. لكن لن يقول الرئيس ترمب بأن المفاوضات مع إيران كانت مضيعة للوقت، لأنه يريد أن يعرف الجميع بأن إيران هي الدولة الوحيدة المسؤولة عن فشل هذه المفاوضات.
ولو حدث هذا، فإن الرئيس الأمريكي يريد أن يعرف أيضًا من هو المسؤول في الحكومة الإيرانية وفي أجهزة الحكم داخل الجمهورية الإسلامية الذي أفشل المفاوضات النووية مع أمريكا. يرغب ترمب في أن تكون مفاوضات بلاده مع إيران تحديًا للجمهورية الإسلامية، بمعنى أنه يملك الشرعية والسلطة الدولية التي تُرغم إيران على أن يكون سلوكها خاضعًا للقوانين الدولية، والمعايير المتفق عليها فيما بين دول العالم. ترمب جعل قضية التفاوض مع إيران ليست موضوع أن تتفاوض أمريكا أو لا تتفاوض، بل حوّلها إلى مقياس ومعيار دولي خاص بالسياسة الخارجية الأمريكية، بألّا تترك دولة ما تُخل بمعطيات السياسة الدولية دون تغيير سلوكها، ومحاسبتها، وإعادتها إلى رشدها.
لذا لن تعرقل تصريحات مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي الأخيرة حول عدم وجود أي قوة في العالم تمنع إيران من تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها الذرية، المفاوضاتِ الجارية حاليًا.
إن إدارة ترمب ودول الاتحاد الأوروبي توافق على حق إيران في تخصيب معدن اليورانيوم. على عكس أوباما، يريد ترمب أن يعرف العالم كله خطورة البرنامج النووي الإيراني. وهو يريد أن يجعل من تصريحات آية الله خامنئي دليلًا على ممارسة إيران للعناد السياسي البغيض الذي جلب المشاكل على إيران منذ قيام الثورة الإسلامية. سوف يستمر ترمب في التفاوض مع إيران لأن التوقعات الخاصة بتلك المفاوضات لم تكن كبيرة وواضحة في الأصل.
هناك الآمال المعقودة بأن التغير الداخلي في إيران قد يحدث تدريجيًا. ربما يكون الاتفاق النووي مع أمريكا مدخلًا لهذا الإصلاح الداخلي. واجه ترمب إيران في هذه المفاوضات ليس ليقترب منها أو يحسن العلاقات معها، بل ليحجم دورها ويقلل من طموحاتها، وينتقص من قدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية.