جنون الدمى “الحقيقية” يثير نقاشًا في البرازيل

في مشهد أثار ضجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نشرت شابة برازيلية مقطع فيديو يوثّق ما بدا أنه استعداد طارئ لنقل طفلها “بينتو” إلى المستشفى.
تظهر الشابة في الفيديو وهي تحزم أغراضه، من ثياب وحفاضات وزجاجات الحليب، وتجلسه في السيارة وترافقه داخل المستشفى، حيث تُطعمه وتعتني به. لكن المفاجأة أن الطفل لم يكن حقيقيًّا، بل دمية تُعرف باسم “ريـبورن” — وهي دمى مُصنّعة يدويًا لتبدو كأنها أطفال حقيقيون تمامًا.
هذا النوع من المحتوى، الذي تجاوز 16 مليون مشاهدة على تيك توك، بات ظاهرة ثقافية واجتماعية أثارت جدلًا واسعًا في البرازيل، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”، التي أشارت إلى انتشار مقاطع تُظهر نساء يخرجن بالدمى في عربات أطفال إلى الحدائق، ويحتفلن بـ”أعياد ميلادهن” بالكيك والأغاني، بل وتصل بعض المشاهد إلى محاكاة الولادة أو إصابات كالرضوض ونزيف الأنف.
في ولاية بارانا، تمتلك جوليانا دروش ماغري، موظفة في مجال الموارد البشرية، أكثر من 22 دمية منذ أن بدأت جمعها عام 2018. تقول: “هذا العالم الخيالي هو وسيلة هروب بالنسبة لي، لكنني لا أتعامل مع الدمى كأنها أطفال حقيقيون”.
الجدل لم يتوقف عند الجمهور، بل امتد إلى الساحة السياسية. ففي ولاية الأمازون، حمل النائب جواو لويز إحدى الدمى داخل البرلمان محذّرًا، دون أدلة، من محاولات للحصول على خدمات حكومية عبر هذه الدمى. زميلته، جوانا دارك، اعتبرت الأمر تهديدًا للمنطق، مشددة على أنه لا يمكن إرغام الأطباء أو المعلمين على معاملة دمى كأنها بشر أحياء.
بلدية كوريتيبا سخرت من الظاهرة، ونشرت منشورًا رسميًا تطلب فيه من “أمهات الريـبورن” عدم استخدام المقاعد المخصصة للحوامل في الحافلات العامة. بالمقابل، حاولت بعض الجهات الدفاع عن هذه الظاهرة، حيث أقر مجلس بلدية ريو دي جانيرو اقتراحًا لجعل يوم 4 سبتمبر يومًا تكريميًا لصنّاع هذه الدمى، لكن العمدة إدواردو بايس رفض الاقتراح، قائلًا: “مع كل الاحترام، هذا لن يحدث”.
صحيفة UOL أشارت إلى حالة موثقة واحدة فقط لامرأة تعاني من اضطراب نفسي حاولت إدخال دمية إلى مستشفى عام للعلاج، وتم منعها عند المدخل. رغم ذلك، جرى تقديم أكثر من 30 مشروع قانون في مختلف أنحاء البرازيل لمنع تقديم أي خدمات عامة لهذه الدمى، معظمها من قبل نواب من أحزاب يمينية.
الظاهرة لاقت أيضًا اهتمامًا فنيًا، إذ استخدمت بعض الدمى في المسرحيات مثل “ويكد” و”ماتيلدا”، وأصبحت صانعة الدمى فيفي لوهربنشي من كوريتيبا تواجه ضغطًا متزايدًا بسبب الطلب الكثيف، قائلة إن هذا “الاهتمام المفاجئ منحني شهرة لكنه سبب لي الكثير من التوتر”.
من جانبها، ترى الباحثة السياسية كاميلا إنفانغر من جامعة ساو باولو أن الهجوم على هذه الهواية ينبع من النظرة السلبية تجاه الأنشطة المرتبطة بالنساء. تقول: “لأن النساء هنّ الفاعلات الرئيسيات في هذا المجال، يتم وصم الأمر بصورة مختلفة… إنه شكل آخر من أشكال ضبط سلوك النساء”.
ويُذكر أن هذه الدمى ظهرت لأول مرة في التسعينيات، عندما بدأ الهواة بإعادة طلاء دمى الأطفال الجاهزة وتحويلها إلى نسخ أكثر واقعية. وتوسعت الظاهرة عالميًا، حيث أشار ديف ستاك، صاحب متجر إلكتروني متخصص في هذه الدمى بالولايات المتحدة، إلى زيادة مطردة في الطلب، من حوالي 10 دمى تُباع يوميًّا عام 2012 إلى 40-60 دمية يوميًا الآن.
الأسعار تتراوح بين 200 إلى 250 دولارًا للدُمى المصنوعة من الفينيل، فيما تُباع النسخ المصنوعة من السيليكون الناعم بأسعار قد تتجاوز 4,000 دولار. ويؤكد ستاك أن بعض الزبائن يشترون الدمى كوسيلة لتجاوز حزن فقدان طفل، فيما يستخدمها آخرون في إنتاجات فنية، أو كجزء من علاج المرضى في دور الرعاية، بينما يشتريها معظم الناس ببساطة لحبهم للأطفال.
وتقول صانعة الدمى الأميركية جينيفر غراندو إن نصف زبائنها تقريبًا يشترونها بدافع نفسي أو علاجي، بينما النصف الآخر من الهواة. وتشير إلى أن بعض الطلبات تتضمن محاكاة دقيقة لطفل حقيقي بناءً على صور مرسلة من الزبون.
وفي مشاهد أشبه بالدراما، تنتشر مقاطع تُظهر الدمى وهي تتقيأ في السيارة، أو تذهب للشراء من المتجر، أو تتعرض لحوادث بسيطة. وفي خلف الكواليس، تواصل الفنانات مثل لوهربنشي زرع خصلات شعر فردية من ألياف نادرة، ورسم العروق والجلد بدقة متناهية، في ما يبدو أنه تقاطع غريب بين الفن، الحنين، والتقنيات البصرية الواقعية.