تحذير علمي: المحيطات فاقت المستوى الآمن من الحموضة

تحذير علمي: المحيطات فاقت المستوى الآمن من الحموضة

كشفت دراسة علمية جديدة أن محيطات الأرض قد تجاوزت بالفعل الحد الآمن من الحموضة منذ عام 2020، ما يشير إلى أن تدهور حالتها البيئية أكثر حدة مما كان يُعتقد سابقًا، مع دخولها ما يُعرف بـ”منطقة الخطر” وفقًا لمعايير الكوكب الحيوية.

وأوضحت الدراسة، التي نُشرت يوم الإثنين 9 يونيو في دورية Global Change Biology، أن امتصاص المحيطات لكميات متزايدة من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة الصناعية، مثل حرق الوقود الأحفوري، أدى إلى تسارع ظاهرة “تحمّض المحيطات”، وهي ظاهرة تهدد الأنظمة البيئية البحرية وتعرض المجتمعات الساحلية التي تعتمد على المياه السليمة للخطر.

وتعليقًا على النتائج، قال الدكتور ستيف ويديكومب، مدير العلوم ونائب الرئيس التنفيذي في مختبر بلايموث البحري: “تحمض المحيطات لا يمثل أزمة بيئية فقط، بل قنبلة موقوتة تهدد التنوع البحري والاقتصادات الساحلية. نحن نخسر مواطنًا بحرية حرجة يعتمد عليها عدد هائل من الكائنات، ما ستكون له تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة”.

المحيطات تجاوزت الحد الحرج

تُعد حدود الكوكب “Planetary Boundaries” نظامًا علميًا وضعه الباحثون في عام 2009 لرصد مدى استقرار البيئة العالمية، حيث حدّدوا تسعة حدود ينبغي ألا نتجاوزها لتجنّب اضطرابات بيئية واسعة النطاق. ومن بين هذه الحدود: تغيّر المناخ، والتلوث الكيميائي، وتحموض المحيطات.

وفي دراسة سابقة عام 2023، خَلُص العلماء إلى أن ستة من أصل تسعة حدود تم تجاوزها بالفعل، بينما كان تحمض المحيطات على وشك تخطي الحد حينها بنسبة تقارب 19%. أما الدراسة الجديدة، فاستخدمت قياسات فيزيائية وكيميائية جديدة إلى جانب نماذج حاسوبية محدثة لتحديث هذا التقييم، مع وضع هامش للخطأ.

وأشارت البيانات الجديدة إلى أن المتوسط العالمي لحموضة المحيطات على السطح شهد انخفاضًا في تركيز مادة “الأراجونيت” بنسبة 17.3% مقارنة بالمستويات التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، مع هامش خطأ يبلغ 5%. ويُعتبر “الأراجونيت” — وهو شكل من كربونات الكالسيوم — مؤشرًا رئيسًا لتقييم قدرة الكائنات البحرية مثل المرجان والرخويات على بناء هياكلها الصلبة.

الخطر يزداد في الأعماق

أظهرت الدراسة أن تحمض المياه لا يحدث بمعدل موحّد. فبينما تبيّن أن 40% من مياه السطح تخطّت الحد الحرج، فإن هذه النسبة ترتفع إلى 60% في الطبقات الأعمق حتى عمق 200 متر. وتعد هذه المناطق الحيوية موطنًا رئيسًا لعدد كبير من الكائنات البحرية المتنوعة، ما يزيد من حجم المخاطر.

وقالت الدكتورة هيلين فيندلاي، عالمة المحيطات البيولوجية والمشرفة على الدراسة: “الكثير من الحياة البحرية لا يقتصر وجودها على السطح، بل تعيش في الأعماق، ومع تغيّر تلك الطبقات بشكل متسارع، فإن تأثيرات تحمّض المحيطات قد تكون أشد مما كنا نتوقع”.

وتعليقًا على الدراسة، قالت البروفيسورة كاثرين ريتشاردسون من معهد غلوب بجامعة كوبنهاغن، والتي شاركت في إعداد دراسة 2023: “لم أفاجأ بهذه النتائج. كنا نعلم أن الحموضة كانت على حافة الخطر، ومن المنطقي أنها قد تجاوزت الحد الآن مع ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو”.

كيف يحدث تحمّض المحيطات؟

تحدث الظاهرة عندما تمتص المحيطات ما يقرب من 30% من ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي. وعند ذوبان CO2 في المياه، يتفاعل مكونًا حمض الكربونيك الذي يطلق أيونات الهيدروجين، ما يزيد من حموضة المياه. هذه الأيونات ترتبط بالكربونات في المياه، مكوّنة بيكربونات، ما يقلل من توفر الكربونات اللازمة للكائنات البحرية لبناء أصدافها وهياكلها العظمية.

الدراسات الحديثة تؤكد أن أي انخفاض بنسبة 20% في تركيز “الأراجونيت” عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية يُعد تجاوزًا للحد الحيوي الخطير. ومع أن الدراسة الجديدة تضع الانخفاض الحالي عند 17.3%، فإن هامش الخطأ المحسوب يضع هذه النسبة ضمن نطاق “منطقة الخطر”، خصوصًا مع تزايد الحموضة في الأعماق بمعدلات أسرع.

تحذيرات وتوصيات

وتشير النتائج إلى ضرورة تسريع الجهود العالمية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والاهتمام بإجراءات التكيف مع تأثيرات الحموضة البحرية، خاصة على المجتمعات الساحلية والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالبحر.

الباحثون يوصون بزيادة مراقبة حالة المحيطات عالميًا، وتكثيف الأبحاث على تأثيرات الحموضة على التنوع الحيوي، والعمل على تطوير سياسات حماية بيئية أكثر صرامة تشمل الأنظمة البحرية.