فصل جديد من النزاعات في منطقة الشرق الأوسط

فصل جديد من النزاعات في منطقة الشرق الأوسط

النهار لـ«إسرائيل» والليل لـ«إيران»، وليس بينهما سوى الاحتمالات المفتوحة في منطقة هي ساحة الصراعات المزمنة والحروب العابرة، كما هي موطن الرسالات السماوية، شهدت ميلاد الإمبراطوريات، وعاشت نهاياتها.. تاريخها هو تاريخ الصراع والحروب التي تنتهي ولا ينتهي الصراع، وما تعيشه اليوم هو جولة أخرى من مشاهد الحروب، ستنتهي الحرب بين جبهة منتصرة وأخرى منكسرة كما جرى من قبل، أو لا منتصر ولا منكسر، ولن ينتهي الصراع بسيناريو يتحقق فيه ما يسميه أطراف الحرب بالانتصار المطلق.

فهذا أمر أقرب إلى مناجاة الأتقياء ودعاء القديسين، ومخيال الساسة الساعين إلى المجد، في منطقة طالما ظلت محتفظة بالمادة الخام للصراع الذي يتداخل في مكوناته الديني، والاقتصادي، والجغرافي، والتاريخي، وتراكم مخلفات الحروب التي اشتقت من كل ذلك، بكل ما حملت من عناوين، ونحن الآن أمام حرب بين طرفين، كلٌّ يخوضها من زاوية اعتقاده.

فـ«إسرائيل» تتعامل معها كحرب «وجود» وهي الدولة الطارئة التي لا يكاد عمرها يقفل العقد الثامن، بينما أرادتها إيران ذات الـ2500 سنة من العمر، ويزيد حرب «صمود» في وجه «عدو» تقف معه أعتى قوى العالم، هي حرب معلنة قبل أن تبدأ، ولم يكن السؤال قبلها هو: هل ستقع؟ بل كان: متى تقع؟ وفي التفاصيل أن «إسرائيل» تحت قيادة الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخها لم يكن بوسعها أن تفوت ما تراه اللحظة التاريخية المناسبة لتحقيق حلمها المخلوط بمزاعم التاريخ، والخرافة الدينية وسط محيط يعيش فيه «أعداء الأمس» حالات انهيار متلاحقة، بينما تعيش هي أوج قوتها يسندها حليف؛ بل حلفاء هم الأكبر قوة وتأثيراً على وجه الأرض، اللحظة التي يمَكِّنها فارق التفوق التكنولوجي، والعسكري، والاقتصادي من تحويل حزام النار من حولها إلى حزام آمن لقرن قادم أو يزيد، وتنصِّب نفسها بفعل هذا التفوق الاستراتيجي شرطي المنطقة، والذراع الأكثر طولاً فيها.

لذا كان يلزم أن يكون هناك سبب للصدام والحرب مع من تراه قد يعيق طريقها في هذا الاتجاه، من غزة إلى طهران، وقد رأينا ساستها، وعسكرها، ومحلليها يستحضرون اسم إيران كلما تطرق الحديث إلى المخاطر، وهواجس الدفاع عن «إسرائيل»، فكان من الطبيعي أن يسوقوا هذه الهواجس تحت عنوان «خطر السلاح النووي الإيراني»، وسمعنا رئيس حكومتهم يردد ما معناه «إذا تمكنت إيران من الوصول إلى هذا السلاح، فلن تبقى هناك إسرائيل».

وفي هذا الاتجاه كانت التعبئة ضد «الخطر الشيعي» كما روجوا لذلك، لينجحوا في تجييش فريق كبير من العرب ضد هذا «الخطر» لصنع طوق من العزلة والكراهية لإيران، وأوجدوا لحلفائهم الكبار أسباب ومبررات حصار إيران، وممارسة الضغوط عليها للتراجع عن برنامجها النووي، وتصعيد هذه الضغوط إلى درجة المواجهة التي عملت عليها «إسرائيل» واختارت توقيتها وكان أن وقع المحظور، وصارت الحرب فعلاً على الأرض، حددت «إسرائيل» ساعتها، وشكلها، ولا نعلم من سيحدد ساعة انتهائها ومآلات شكلها.

ما السيناريوهات المحتملة إذن؟
أولاً:
قد تستمر المواجهة لفترة، ضربة هنا، وضربة هناك في شكل حرب استنزاف قد لا تقف تداعياتها عن حد الجبهتين لتهدد الجوار الحساس؛ حيث خزان الطاقة وممرات التجارة العالمية، ووجود قواعد وقوات أميركية، ما قد يجبر الولايات المتحدة على التدخل لحسم المواجهة، إما عبر دور الوسيط، أو دعوة مجلس الأمن لاتخاذ قرار بوقف الحرب، وفي الحالتين ستضغط أميركا لجر إيران إلى مائدة التفاوض على برنامجها النووي بشروط أميركية إسرائيلية.

ثانياً:
تتمكن إسرائيل عبر تفوقها الجوي وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة بمساعدة أميركا وحلفائها الغربيين من حسم المواجهة لصالحها، وبالتالي إجبار إيران على التفاوض من موقع المهزوم، ووفق الشروط الإسرائيلية وإنهاء برامج التسلح الإيرانية لوقت طويل، وهنا قد يزيد طمع نتنياهو إلى حد العمل على تغيير نظام طهران، في اتجاه الشعار الذي يردده ويريد أن يغلف به انتصاره، وهو «تغيير الشرق الأوسط» الذي ستكون تغيير الأنظمة فيه مسألة تحصيل حاصل.

ثالثاً:
قد تصمد إيران وتباغت عدوها بأسلحة لم تكن في حسبانه، وتطيل المواجهة بحيث تنهك إسرائيل عسكرياً، واقتصادياً مع واقع مرتبك سيعيشه المجتمع الإسرائيلي، وهنا أيضاً ستستنجد إسرائيل بحليفتها الكبرى أميركا للتدخل وتأخذ المواجهة المنحى الذي تريده الأخيرة، أو ـ وقد يكون هذا قليل الاحتمال ـ أن تلجأ التركيبة الإسرائيلية الحاكمة مدفوعة بتطرفها إلى القرار المجنون، وهو ما يسمى بـ«خيار شمشون»؛ أي استخدام سلاح نووي تكتيكي في جولة كسر عظم، لكن هذا الخيار قد يقلب المنطقة ويدفعها إلى مصير لا يمكن التنبؤ بمآلاته.. يبقى انتظار تطور مسار هذه الحرب، ونحن أمام مشهد بداياتها، وستكشف ما يمكن أن يكون خافياً لدى طرفيها.