«تجربة كسوف يومية».. قمر صناعي جديد يوفر رؤية فريدة للغلاف الخارجي للشمس

«تجربة كسوف يومية».. قمر صناعي جديد يوفر رؤية فريدة للغلاف الخارجي للشمس

يُعد الكسوف الشمسي من أعظم الظواهر الطبيعية التي تعطي لمحة نادرة عن «هالة الشمس»، الجزء الخارجي من غلافها الجوي الذي يظل مخفيًا في الظروف العادية خلف ضوء الشمس الساطع.

هذه الظاهرة الاستثنائية، التي لا تتكرر سوى مرة أو مرتين سنويًا في أفضل الأحوال، لم تعد حكرًا على الطبيعة وحدها، حيث كشفت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عن إنجاز هندسي مذهل يتمثل في مرصد بروبا-3 الفضائي، الذي أصبح أول جهاز صناعي قادر على خلق كسوف شمسي يومي، بفضل تكنولوجيا فريدة تعتمد على تنسيق محكم بين قمرين صناعيين يعملان بتناغم غير مسبوق، وفقا لموقع «ساينس ألرت».

يتكون «بروبا-3» من مركبتين فضائيتين منفصلتين: الأولى تُعرف بـ«الحاجب» (Occulter)، والثانية هي «الكورونغراف» (Coronagraph)، وتطيران في تشكيل دقيق يفصل بينهما مسافة 150 مترًا، أي ما يعادل تقريبًا 1.4 من طول ملعب كرة قدم.

– كسوف شمسي يخطف الأنظار.. القمر يحجب 90% من الشمس في مشهد نادر
– بالفيديو: تلسكوب مزوّد ببصريات تكيفية يكشف تفاصيل غير مسبوقة للهالة الشمسية
– التلسكوب جيمس ويب يرصد ثاني أكسيد الكربون بشكل مباشر على كوكب خارج المجموعة الشمسية

تقوم المركبة «الحاجبة» بحجب قرص الشمس تمامًا كما يفعل القمر في الكسوف الطبيعي، بينما تلتقط «الكورونغراف» صورًا مذهلة لهالة الشمس (الكورونا) باستخدام أداة متقدمة تُدعى (ASPIICS)، وهي اختصار لـ«جمع المركبات الفضائية للتحقيق الاستقطابي والتصويري في هالة الشمس».

«كسوف صناعي» يدوم لست ساعات
قال أندريه جوكوف، الباحث الرئيسي في مشروع (ASPIICS) من المرصد الملكي البلجيكي: «كل صورة شاملة يجري تركيبها من ثلاث لقطات مختلفة، تختلف فقط في وقت التعريض، ما يمنحنا قدرة على رؤية تفاصيل الهالة الشمسية بدرجات سطوع متفاوتة. النتائج تقارن فعليًا بصور الكسوف الطبيعي، ولكن بميزة كبيرة: يمكننا الآن خلق هذا الكسوف مرة كل 19.6 ساعة، ويستمر لغاية ست ساعات، بينما لا تدوم ظاهرة الكسوف الطبيعي سوى بضع دقائق».

الصور التي التُقطت خلال المرحلة التجريبية كشفت عن مجموعة من التفاصيل الدقيقة لهالة الشمس، منها: صورة باللون الأخضر الداكن تُظهر الحديد المؤين، الذي يفقد إلكتروناته بفعل الحرارة الشديدة، وتكشف المناطق الأشد حرارة من الهالة، بما في ذلك هيكل حلقي مرتبط بانفجار شمسي.

وفي إنجاز مذهل للتعاون بين المركبات، جرى إنتاج صورة مركبة جمعت بين ثلاث مرصدات: «بروبا-2» لمراقبة الشمس بالأشعة فوق البنفسجية القصوى، و«بروبا-3» لمراقبة الهالة، والمرصد الشمسي (SOHO) الذي تابع الغلاف الخارجي البعيد.

بداية حقبة جديدة من استكشاف الشمس
على الرغم من أن «بروبا-3» لا يزال في مرحلة التشغيل التجريبي، إلا أن الصور الملتقطة حتى الآن تبشّر بثورة في فهمنا للشمس. وعندما يبدأ المرصد مهمته العلمية الرسمية خلال الأشهر المقبلة، يُتوقع أن يوفر نظرة غير مسبوقة في بنية الغلاف الشمسي، والتفاعلات الديناميكية التي تقود العواصف الشمسية، وربما حتى أسرار الدورة الشمسية نفسها.

وختم الباحث بالقول: «مع كسوف شمسي صناعي كل 20 ساعة، أصبح لدينا الآن مسرح دائم لمراقبة النجم الذي يمنح الحياة لكوكبنا».