فرط استخدام المنصات الرقمية قد يؤدي إلى «تدهور الدماغ»

في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات جزءًا لا يتجزأ من يوميات الأطفال والبالغين، يتصاعد جدل صحي وعلمي حول الآثار العميقة للاستخدام المفرط للمنصات الرقمية، وخصوصًا ما يسمى بـ«تعفّن الدماغ» أو Brain Rot، وهو المصطلح الذي اختارته جامعة أكسفورد للنشر ليكون «كلمة العام» في 2023، دلالة على القلق المتزايد من التأثيرات المعرفية والنفسية للانغماس الرقمي.
يعرف «تعفّن الدماغ» بأنه التدهور العقلي أو الفكري المحتمل نتيجة الإفراط في استهلاك محتوى سطحي أو غير محفّز، وهي ظاهرة باتت مألوفة في عصر «التمرير المستمر» على منصات مثل «إنستغرام» و«يوتيوب» و«تيك توك»، حيث يغيب الوعي ويتحوّل التصفح إلى عادة تلقائية، وفقا لـ «يورنيوز».
تقول الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب بجامعة ساوث كارولينا، الدكتورة أندريانا بينيتيز، الطبية، إن هذا النمط من الاستهلاك يشبه «الوجبات السريعة العقلية»، مضيفة أن الجرعة الزائدة من المحتوى الرديء قد تؤدي إلى إرهاق ذهني وفقدان الحس الإدراكي، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن الآلية العصبية لتأثير الشاشات لا تزال غير مفهومة بالكامل، وأن الأدلة العلمية ما زالت غير قاطعة.
– دراسة صادمة: الجلوس فترات طويلة يؤدي إلى انكماش الدماغ حتى مع ممارسة الرياضة
– كيف يؤثر تقليل استخدام الهواتف الذكية على نشاط الدماغ؟
– دراسة: مواد كيميائية منزلية شائعة مرتبطة بتلف الدماغ
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يقضي نصف المراهقين الأميركيين ما لا يقل عن أربع ساعات يوميًا أمام الشاشات، بينما يبلغ المعدل اليومي لدى البالغين أكثر من ست ساعات. وعلى الرغم من عدم وجود إرشادات فدرالية دقيقة تحدد سقفًا «آمنًا» لاستخدام الشاشات، فإن بعض البيانات تشير إلى ارتباط بين الاستخدام المفرط ومشكلات صحية نفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الانتباه، خاصة بين المراهقين.
اضطرابات معرفية وسلوكية
تحليلٌ حديث صدر ضمن مشروع «التطور المعرفي والدماغي لدى المراهقين»، وهو أضخم دراسة طويلة المدى حول نمو الدماغ في الولايات المتحدة، كشف أن الاستهلاك المكثف للشاشات منذ الطفولة قد يرتبط باضطرابات معرفية وسلوكية، فضلًا عن أعراض جسدية كالألم والغثيان والدوخة.
وتربط دراسات أخرى بين الإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي وانخفاض التفاعل العاطفي، والتعب الذهني، وضعف الذاكرة، وتراجع القدرة على اتخاذ القرار.
يشير مدير معهد فايل للبحوث العصبية والعقلية، الدكتور كونستانتينو إيدوكولا، إلى أن الخطر لا يكمن فقط في ما «تفعله» الشاشات بالدماغ، بل في ما «تمنعه». فكل ساعة نقضيها أمام الشاشة تعني وقتًا ضائعًا من التفاعل الاجتماعي أو الحركة الجسدية، وهما عنصران حيويان لتطور الدماغ، خصوصًا في مراحله المبكرة.
ويضيف: «الدماغ ينمو عبر خبرات متنوعة، من اللعب إلى الحوار الحقيقي، من الحواس إلى التحديات الاجتماعية. وإذا جرى استبدال هذه التجارب بعوالم افتراضية محدودة، فقد يصبح النمو المعرفي أكثر هشاشة».
المدة ليست العامل الوحيد الذي يجب الانتباه إليه، فنوعية المحتوى لا تقل أهمية، بحسب بينيتيز، التي تحذر من «التعرض المتكرر لمحتوى سلبي ومشوّه قد يؤثر على نظرتنا للواقع ويُضعف التماسك الذهني».
وتشبه بينيتيز الاستخدام المعتدل بـ«كيس رقائق بطاطس بين حين وآخر»، بينما يصبح الخطر حقيقيًا عندما يتحول ذلك إلى عادة مستمرة.
ولذا، تدعو الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال إلى تصميم خطط عائلية لاستخدام الشاشات، توازن بين التعلم والترفيه، وتشجع أنشطة بعيدة عن العالم الرقمي مثل الموسيقى والرياضة والرسم.
كما تؤكد أهمية المحتوى الإيجابي والمحفز، باعتباره وسيلة لتعزيز الإبداع والتعلم، وليس بالضرورة سببًا للقلق.
هل هناك طريق للنجاة؟
الاعتراف بوجود مشكلة هو الخطوة الأولى. تقول بينيتيز: «التوعية الرقمية لا تعني الابتعاد عن التكنولوجيا، بل تعني التعامل معها بذكاء. نحن لا نحتاج إلى مقاطعة الشاشات، بل إلى إعادة هندسة علاقتنا بها».
ويختم الدكتور إيدوكولا بقوله: «لكل شيء حدّ. المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في الاستخدام اللاواعي الذي قد يحوّل الأداة إلى إدمان، والتسلية إلى فوضى معرفية».