السيولة المالية تفسد بهجة الليبيين في العيد.. حديث عن “المضاربات”

السيولة المالية تفسد بهجة الليبيين في العيد.. حديث عن “المضاربات”

لا تزال مشكلة نقص السيولة النقدية في المصارف الليبية عامل قلق لدى شرائح من الليبيين، على الرغم من إعلان المصرف المركزي المتكرر عن خطط لتوفير السيولة في المصارف تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، هو ما عزاه خبراء إلى سحب الأوراق النقدية من فئة الـ50 دينارا، إلى جانب ما قيل إنه «مضاربات» و«استغلال النفوذ داخل بعض المصارف».
وفي إجراءات استباقية، سارع المصرف المركزي في مايو الماضي إلى مناقشة استعدادات المصارف التجارية لتنفيذ خطة توزيع السيولة النقدية، وذلك ضمن اجتماع عقده المحافظ ناجي عيسى مع مديري المصارف.

وتقرر تمديد ساعات العمل في فروع المصارف، وزيادة عدد الشبابيك والصرافين بالفروع والوكالات، لـ«منح الزبائن الفرصة الكافية لسحب السيولة النقدية».

ومنذ يوم أمس، تتداول صفحات تواصل اجتماعي ليبية مقطعا مصورا لاتصال هاتفي بين محافظ «المركزي» ومدير بأحد المصارف لحل مشكلة عدم توفر السيولة.

شكاوي نقص السيولة النقدية
مع ذلك، فإن ليبيين لا يزالون يشتكون من نقص السيولة، وكان آخرها شكوى عميد بلدية غدامس، يعقوب إبراهيم، بالقول: «أزمة نقص السيولة النقدية داخل المصارف مستمرة، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى»، على الرغم من إقراره بأن الاعتماد على البطاقات والخدمات المصرفية الإلكترونية خفف من وقع الأزمة.

وهنا يلحظ الخبير الاقتصادي عبدالحميد الفضيل أن «الانفراجة في أزمة السيولة لا تزال غير متكافئة بين مصرف وآخر، على الرغم من توزيع مليارات الدينارات عليها»، شارحا بالقول: «بعض المصارف تسمح بسقف سحب شهري يتراوح بين 3 و4 آلاف دينار، بينما تكتفي أخرى بألف أو ألفي دينار فقط. في حين اضطرت بعض الفروع إلى إغلاق أبوابها في أيام محددة، لغياب السيولة».

ويسلط الفضيل الضوء على «تفاوت في توافر خدمة السحب عبر ماكينات السحب الألى، ما أسهم في زيادة الضغط على المصارف التي توفّر هذه الخدمة».

ودأبت مصارف تجارية على نشر إعلانات قبل عيد الأضحى المبارك تبرز تسهيلات لتوفير السيولة النقدية، إذ نشر مصرف الجمهورية إعلانا لزبائنه عن استمرار توزيعها في فروعه كافة، حتى في يومي إجازتها الرسمية (الجمعة والسبت).
أوراق نقدية خارج الجهاز المصرفي
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي عبدالحميد الفضيل، فإن هذا التناقض يعود إلى «سحب الأوراق النقدية من فئة الـ50 دينارا، التي كان الجزء الأكبر منها مكتنزا خارج الجهاز المصرفي، مما أدى إلى عودة أصحاب هذه الأموال، خاصة (النافذين منهم)، لممارسة ضغوط كبيرة على المصارف التجارية، لسحبها مجددا (تقدر بالملايين) على حساب صغار العملاء».
وذهب الفضيل إلى الحديث عن «استغلال النفوذ داخل بعض المصارف من قِبل بعض المسؤولين والنافذين، الذين تحول بعض منهم إلى تجار عملة، ومن خلال مراكزهم ونفودهم استفادوا من فارق سعر الصرف بين النقد والصكوك».
مشكلة ماكينات السحب الآلي
ومن بين التفسيرات الأخرى التي ساقها الخبير الاقتصادي الليبي «ضعف أو غياب البنية التحتية الإلكترونية في عدد من المصارف، أو حتى التعمّد في عدم تفعيل ماكينات السحب الآلى في بعض الأحيان، مما أدى إلى تركّز الطلب على مصارف بعينها»، ولم يستبعد أيضا وجود «إشكال محتمل في آلية توزيع السيولة، التي يجب أن تراعي حجم العملاء أو حجم النشاط المصرفي في كل مصرف أو فرع عند توزيع السيولة».
وخلال السنوات العشر الأخيرة عانت ليبيا أزمات نقص السيولة على نحو متقطع، وهو ما قوبل بإجراء من المصرف المركزي، تمثل في زياد العرض النقدي بمقدار 27 مليار دينار في الفترة 2013 إلى 2022، بينما زاد في سنة واحدة من 2022 إلى 2023 بقيمة 30 مليار دينار، وفق أرقام رسمية.

مكافحة الفساد والمحسوبية
ويوصي الفضيل بضرورة «مكافحة الفساد والمحسوبية داخل بعض المصارف التجارية، حتى إنّ اقتضى الأمر تغيير جذري في بعض إدارات القطاع المصرفي على كل المستويات، خاصة تلك المرتبطة بولاءات للإدارة السابقة في المصرف المركزي، التي قد تعرقل جهود أي الإصلاح، بعد ذلك تأتي الإجراءات الأخرى».
ومن منظور أوسع، يقترح الخبير الاقتصادي محمد الشحاتي «أهمية الاهتمام بالتوجه التنموي الذي يشارك فيه القطاع الخاص والقطاع العام بالاستثمار محليا، وهو أمر سابق على الاهتمام بموضوع التوسع في عرض النقود أو طباعتها».
وإذ يوصي الشحاتي «المصرف المركزي بأن يكون حذرا في موضوع عرض النقود»، فإنه يحث أيضا «القطاع الحكومي على أن يكون أكثر رشدا في الإنفاق، وعلى القطاع الخاص أن يركز جهوده أكثر على التنمية المحلية بصورة منافسة، ويقلل من انغماسه في الاعتماد على التوريدات».