الخبير الاقتصادي محمد أحمد يتحدث عن ميزانية الإعمار: القضية ليست في تأثيرها على سعر الصرف

الخبير الاقتصادي محمد أحمد يتحدث عن ميزانية الإعمار: القضية ليست في تأثيرها على سعر الصرف

قال الخبير الاقتصادي محمد أحمد إن اختزال تأثير سعر الصرف في نطاق السياسة النقدية فقط، كما تفعل بعض الأطراف الليبية، هو «تعطيل مباشر لأي مسار تنموي جاد»، وذلك في تعليقه على الجدل حول مشروعات الإعمار في البلاد.

وأضاف في منشور عبر صفحته بموقع «فيسبوك» أن ربط كل خلل اقتصادي بسعر الصرف خصوصا من السلطة النقدية دون التطرق لبنية الإنفاق نفسها، هو شكل من أشكال التهرب من المسؤولية، وابتزاز واضح.

واقع اقتصادي يعرقل فكرة الإعمار
ويرى الخبير الاقتصادي أن طرح فكرة الإعمار بوصفه قاطرة التنمية يبدو جذابًا من الناحية الخطابية، لكنه يصطدم بواقع اقتصادي مشوّه، تعاني فيه الدولة من هشاشة مالية، وفجوات في المنظومة النقدية والتجارية، تسمح بتسرب المال العام نحو أنشطة غير منتجة، بل وتُغذي الفساد والتهريب.

وتابع أن عجز المصرف المركزي في حماية سعر الصرف لا يؤدي فقط إلى ضغوط على الدينار، بل يُغري بظهور ما يمكن تسميته «عقلية المضاربة» في السلوك الاقتصادي، وهو ما يُحوّل السوق الموازية إلى ساحة دائمة للمراهنة على تراجع جديد في السعر الرسمي.

لماذا يختلف وضع العملة في تونس ودول الخليج عن ليبيا؟
وأشار إلى تجارب دول كسرت هذه الحلقة عبر تثبيت الثقة في العملة الوطنية، مثل الأردن وتونس ودول الخليج، «بينما تظل ليبيا رهينة لفراغ مؤسسي، يسمح باستمرار الفجوة بين السعرين ويمنح المضاربين فرصة لتوجيه ضربات ممنهجة تُجبر المصرف المركزي على التراجع من حين إلى آخر».

وقال إن المشكلة ليست في حجم الإنفاق، بل في بنيته المشوهة؛ إذ إن اختلالات النظام المالي والفساد الممنهج الناتج عن تجارة الاعتمادات والتحويلات وتضخم الإنفاق الاستهلاكي حولت الموارد العامة إلى وقود لتجارة وهمية ومشاريع غير منتجة.

وواصل: هذه الممارسات لا تعرقل فقط فرص الإعمار الحقيقي، بل تدفع صانعي القرار المالي والنقدي إلى خيارات مكلفة: إما اللجوء إلى الاحتياطي، أو الدخول في دورة اقتراض دون أفق سداد.

عشوائبة الإنفاق تدمر الاقتصاد الليبي
ويرى أحمد أن المشهد الليبي يتّسم بعشوائية الإنفاق، وغياب التقييم المستقل، وسرعة ضخ السيولة نحو مشاريع خدمية سريعة لا تولّد فرص عمل حقيقية ولا توسّع القاعدة الإنتاجية، بعكس تجارب أخرى مثل السعودية التي تعتمد على رؤية المملكة 2030.

وحذر من عدم علاج تسرب المال العام عبر إصلاح مؤسسي فعّال، وإلا فسيظل الاقتصاد الليبي رهينة لتشابكات معقّدة بين الفساد والتهريب الذي سواء كان تهريب سلع، أو ذهب، أو عملة، فهو ليس ظاهرة مستقلة، بل نتيجة لتشوّهات أعمق في النظام المالي.

ولفت إلى انتشار الفساد المالي، لا سيما في العطاءات الحكومية وآليات تخصيص النقد الأجنبي والاعتمادات التجارية، معتبرا أنه هو الذي يخلق الفجوات التي تُستغل لاحقًا في أنشطة التهريب.

وقال إنه حين تمنح الاعتمادات من دون رقابة، وتُنفَق الأموال العامة على مشروعات غير مُنجزة أو بأسعار مضخّمة، تتسرّب السيولة خارج الاقتصاد الرسمي، وتُعاد تدويرها عبر قنوات غير مشروعة، سواء لغسل الأموال أو لتمويل شبكات تهريب متعددة الاتجاهات.

وواصل: أي سياسة تستهدف مواجهة التهريب دون إصلاح النظام المالي أولًا، لن تؤدي إلا إلى مراكمة الفشل، لأن الجذر لم يُقتلع.

الإعمار ليس بعدد العقود أو المبالغ المرصودة
ونوه بأن الإعمار لا يُقاس بعدد العقود أو المبالغ المرصودة، بل بمستوى التغيير الذي يُحدثه في بنية الاقتصاد، وإن استمرار الإنفاق دون ربطه بمؤشرات أداء واضحة ومردود إنتاجي ملموس، لن يُحدث تحولًا اقتصاديًا، بل قد يُعيد إنتاج نفس الاختلالات البنيوية.

– لماذا يرفض «تسييري» بلدية العزيزية اعتماد «النواب» ميزانية «صندوق الإعمار»؟
– «وسط الخبر» يناقش: أسطورة الإعمار.. من الدولة العميقة إلى الدولة الموازية!
– جدل بين قويرب والعريبي حول ميزانية صندوق إعادة الإعمار

النقاش حول الإعمار يختاج إلى تخطيط بدلًا من الجدل السياسي
وشدد على أن النقاش حول الإعمار يجب أن يتحوّل من رد فعل سياسي إلى عمل تخطيطي ذكي، عبر برمجة مالية متوسطة وطويلة الأجل تربط الإنفاق بأهداف إنتاجية محددة، وكذلك تحرير السياسة النقدية من العبء السياسي، وتمكين المصرف المركزي من أدوات حقيقية، وليس فقط مهمة الدفاع عن السعر.

فضلا عن تعزيز أدوات السوق المالي المحلي، بما فيها أدوات الدين والادخار، لاستيعاب السيولة وتقليل الاعتماد على النقد الأجنبي، وإقرار الرقابة كأداة لتحسين الأداء، وليس كعقبة بيروقراطية، وتصحيح العلاقة بين الجهات التنفيذية، بحيث لا يُستخدم فشل البعض كمبرر لشلّ كل المبادرات الأخرى.

ويرى الخبير الاقتصادي أن الإعمار الحقيقي يبدأ حين نفهم أن كل قرار مالي أو نقدي هو قرار سياسي بامتياز. وما لم تُحسم معركة «المسؤولية الاقتصادية» لصالح التفكير المؤسسي والعقلاني، ستبقى ليبيا عالقة بين مطرقة الطموحات غير المدروسة وسندان الواقع المأزوم.