الخبير الاقتصادي محمد الصافي: آن الأوان لوضع سقف وتحديد علامات للميزانية

دعا الخبير الاقتصادي محمد الصافي إلى علاج أزمات المالية العامة في ليبيا عبر مسارين، الأول هو تحديد سقف للموازنة، والثاني: تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية من خلال تخصيص الإيرادات غير النفطية للإنفاق على بعض أبواب الميزانية (أو ما يسمى بالتوسيم – Earmark).
وأوضح الصافي، في دراسة، خص بها «الوسط»، أن هذين المقترحين مهمان لإدارة الإنفاق المرتفع ومعالجة التباعد في المالية العامة الناتج عن زيادة الإنفاق وانخفاض الإيرادات. وقال إن استحداث سقف للميزانية يعني تثبيت الإنفاق الحكومي السنوي عند مبلغ متفق عليه، على أن يكون هذا السقف ممتداً إلى عدة سنوات.
ونوه بأن حجم الميزانية يجب أن يراعي استقرار سعر الصرف الأجنبي والاحتياجات التنموية للبلاد (على سبيل المثال، المناطق المتضررة من العاصفة دانيال، واستكمال مشاريع التنمية الحالية).
مطالب بفترة استقرار لا تقل عن 3 سنوات لعلاج التضخم
وطالب بمنح المصرف المركزي فترة التقاط أنفاس لإعادة ضبط الاقتصاد الكلي، مشيراً إلى ارتفاع درجة حرارة الاقتصاد (التضخم)، وحاجة المصرف إلى فترة استقرار لا تقل على 3 سنوات؛ حيث أن ميزانية بسقف محدد ولمدة ثلاث سنوات ستمنح المركزي الوقت الكافي للتحكم في عرض النقود.
ونادى الخبير الليبي كذلك بتخفيف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي من خلال ضبط الإنفاق لمدة ثلاث سنوات، بما يقلل الضغط على الاحتياطيات النقدية، ويؤدي إلى استقرار العملة الليبية، فضلا عن احتواء المعروض النقدي والحد من السيولة المفرطة في السوق، وتخفيف الضغوط التضخمية، بجانب الحد من تراكم الديون، وتشجيع انضباط المالية العامة.
فوائد التوسيم وكيفية إنفاق الإيرادات غير النفطية
وفيما يخص مقترح «التوسيم»، أي ربط مخصصات الإيرادات غير النفطية مع بعض أبواب الميزانية، قال الصافي إن الاعتماد على عائدات النفط لا يحفز على جلب الإيرادات غير النفطية. «ومع ذلك، فإن تنويع مصادر الإيرادات أمر ضروري للإدارة المستدامة للمالية العامة، لا سيما بالنظر إلى تقلب أسعار النفط عالمياً وعدم استقرار سعر الصرف الأجنبي في السوق الموازية».
وأوضح أن مقترحه يقوم على تخصيص الإيرادات غير النفطية وربطها بالباب الثاني (النفقات التسييرية) للميزانية، وذلك عن طريق قانون؛ بحيث لا يجري الصرف على الباب الثاني من أموال النفط وإنما من الإيرادات غير النفطية فقط.
ويرى أن ذلك المقترح يخلق حافزاً لجني تلك الإيرادات غير النفطية وإدخالها ضمن دفاتر الدولة، موضحاً أن هناك الكثير من الممارسات التي تجعل الدولة غير مستفيدة من تلك الموارد، بالإضافة إلى عدم توريدها إلى الخزانة من الأساس. وذلك النظام اتبعته كثير من الدول وكذلك ليبيا كذلك في العام 2010، إذ أن جزءاً من باب المرتبات كان مربوطاً مباشرة بالإيرادات غير النفطية.
طرق تحسين تدفقات الإيرادات غير النفطية
ويبين الخبير الاقتصادي أن هناك طريقتين لتحسين تدفقات الإيرادات غير النفطية التي يمكن استخدامهما في التخصيص. أولا، تحسين التحصيل من مصادر مثل الاتصالات، والضرائب، والرسوم الجمركية، والخدمات الحكومية.
ثانيا، إيجاد مصادر جديد، كما أن هناك مصادر محتملة منها تصفية أصول المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة، وفق الخبير محمد الصافي.
وأشار إلى أنه جرى إنشاء مؤسسات حكومية لضمان تدفقات إيرادات إضافية للموازنة، «لكن سوء الإدارة ونقص الحوافز جعل تلك المؤسسات تكبد الموازنة، لا تدر عائداً لها».
– للاطلاع على العدد «498» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وعدَّد الخبير فوائد التوسيم وهي: زيادة قدرة الحكومة على تحصيل الإيرادات وتقليل الاعتماد على النفط واستقرار احتياطيات النقد الأجنبي. كما دعا إلى تفعيل قانون الموازنة، مع تعديلاته، «يجب أن تلتزم آلية تنفيذ مقترح إصلاح المالية العامة هذا بقانون الدولة الليبي».
وشدد على ضرورة أن تعود الموازنة العامة إلى الإجراءات القانونية المعتادة، حيث تجري صياغة قانون الموازنة والموافقة عليه من قبل السلطة التشريعية وتنفيذه من قبل السلطة التنفيذية.
اقتراحات محمد الصافي فيما يخص موازنة 2025
وفيما يخص قانون موازنة 2025، اقترح أن يضم مواد محددة تحدد سقف الموازنة بالدينار الليبي لعدة سنوات، مع تخصيص أبواب الموازنة التي ستمول من الإيرادات غير النفطية.
كما دعا إلى تحقيق مجموعة مطالب منها: إجراء حوار فني بشأن الميزانية بمشاركة مؤسسات الدولة المتمثلة في الحكومتين ومصرف ليبيا المركزي وممثلين عن المجلس التشريعي، فضلا عن مشاركة الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، والخبراء الاقتصاديون المستقلون، والمهنيون الأكاديميون. كما يجب أن يركز الحوار على وضع سقف واقعي للموازنة للسنوات المالية 2025 و2026 و2027 ضمان توافق هذا السقف مع التحديات الاقتصادية الحالية.
وشدد على ضرورة أن تلتزم السلطة التشريعية بتقنين سقف الموازنة في قانون موازنة 2025، مع تحديد المبلغ الدقيق بالدينار الليبي وذلك لمدة 3 سنوات حتى لا يضطر المركزي لخوض نفس الصراع كل سنة.
واقترح الصافي أنه في حالة تعثر إقرار التسقيف لعدة سنوات «فانه ينبغي أن يتضمن القانون أيضاً بنداً يسمح بإنفاق 1/12 من الموازنة المعتمدة لكل شهر لاحق في حالة حدوث تأخير في تمرير الموازنات المستقبلية، وبالتالي ضمان الاستقرار المالي والنقدي».
وطالب بضرورة أن تنص إحدى مواد قانون الميزانية على أن «ميزانية 2025 ستظل سارية حتى يتم انتخاب برلمان جديد أو رئيس جديد»، معتبراً أن ذلك «يخلق رابطاً مباشراً بين إصلاحات المالية العامة والعملية السياسية، مما يوفر حافزاً للفاعلين السياسيين للتحرك نحو الانتخابات».
وشدد على أن القانون يجب ألا يسمح لأي جهة حكومية بتجاوز سقف الموازنة، بما يتيح تحقيق الرقابة على المالية العامة، مع السماح للحكومة بالمرونة في تخصيص الموارد على أساس الأولويات المتغيرة.
5 فصول مقترحة ضمن هيكل الموازنة
ونادى الخبير محمد الصافي بضرورة أن يتضمن هيكل الموازنة خمسة فصول هي: الرواتب، والنفقات التسييرية، والتنمية، والدعم، وصناديق الطوارئ، «فالرواتب والدعم نفقات ثابتة تتطلب مصادر إيرادات مستقرة، في حين أن النفقات التسييرية والتنمية أكثر تقلباً ومرونة».
وأشار إلى أنه يجب تمويل الفصلين الثاني والثالث من الإيرادات غير النفطية أي النفقات التسييرية والتنمية، «نظرا لكونها متغيرة وعرضة للإنفاق التقديري»، مضيفاً: «يجب تخصيص الباب الثاني (التسييرية) لمصادر الإيرادات المتكررة غير النفطية مثل أرباح الاتصالات السلكية واللاسلكية، والرسوم الجمركية، والضرائب».
واقترح إمكانية تمويل الفصل الثالث (التنمية) من خلال تصفية أصول المؤسسات المملوكة للدولة ضعيفة الأداء، «إذ لم يحقق العديد من هذه المؤسسات المملوكة للدولة أرباحاً منذ سنوات، مما كلف ميزانيتها ملايين الدينارات. ومن شأن تصفية هذه الأصول أن توفر الموارد اللازمة للمبادرات التنموية وتعزز تنويع النشاط الاقتصادي».
وواصل: «مع أن القيمة الفعلية لهذه الأصول غير معروفة، فإن العديد من الخبراء يقدرونها بالمليارات. وبمجرد تصفية هذه الأصول، يجب وضعها في صندوق منفصل مخصص وتمويل جهود التنمية فقط».
وفي الختام، يرى الصافي أن إصلاح المالية العامة بالجمع بين سقف الموازنة وتنويع مصادر الإيرادات سيكون حافزاً للمضي قدماً في العملية السياسية نحو إجراء الانتخابات.