«الاستشارات» تثير استياء حاملي «الرموز الإدارية»

أثار حصر عملية الترشح والاقتراع في الانتخابات وفق التوصيات الصادرة عن اللجنة الاستشارية على حملة «الرقم الوطني»، انتقادات حادة من أصحاب الأرقام الإدارية الذين لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من فرض إجراءات لتسوية وضعهم أو التراجع عن منعهم من ممارسة أي حقوق سياسية أو مدنية، في المقابل أعاد ما وُصف بـ«الإقصاء» فتح قضية الصعوبات في كشف مزوري الجنسية والسجل المدني.
وتزايدت شكاوى الفئات المعنية خاصة من الطوارق والتبو في الجنوب الذين فوجئوا بشروط وضعتها اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة للمشاركة في الانتخابات التشريعية ووصفوها بـ«المجحفة» في حق الآلاف من الليبيين الذين يعانون في صمت منذ عقود بسبب حملهم للأرقام الإدارية.
وتعود قضية أصحاب الأرقام الإدارية إلى ستينيات القرن الماضي، حيث لم يشملهم إحصاء عامي 1954 ـ 1964 للسكان، وذلك بعد عودتهم إلى البلاد من المهجر، وقد تم منحهم أرقاما في 2014 وعددهم 17 ألف أسرة تقريبا أغلبهم من التبو والطوارق، في حين يتحدث نشطاء عن وجود ما يزيد عن 60 ألف شخص لم يتمكن من إثبات جنسيته الليبية أو الحصول على رقم وطني، وهو وضع حرمهم من التمتع بالخدمات الحكومية مثل العلاج في المستشفيات أو الدراسة في المدارس العامة أو الإيفاد إلى الخارج أو استخراج جواز سفر.
انتقادات لاستبعاد حملة الأرقام الإدارية
وبررت اللجنة الاستشارية اشتراط الرقم الوطني لتسجيل الناخبين ومشاركتهم في العملية الانتخابية بدعوى «حمايةً لنزاهتها». في مقابل تأكيدها على ضمان التمثيل العادل والمتناسب للمكونات الثقافية بنسبة 15 بالمائة على الأقل في مجلس الشيوخ.
وقال الناشط المدني حسن بركة من الطوارق وأحد المتضررين من الخطوة في تصريح لـ«الوسط»، إن «استبعاد المواطنين من حملة الأرقام الإدارية بحجة عدم امتلاكهم للرقم الوطني يُعد تفسيرًا ضيقًا ومجحفًا للنص القانوني، ولا يستند إلى أساس تشريعي ملزم».
واعتبر أن «النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية لم تُقيّد صراحة حق التصويت أو الترشح بحيازة الرقم الوطني، بل نصّت على ضرورة توافر الهوية القانونية والصفة الليبية دون تمييز في نوع الوثيقة الثبوتية».
كما استغرب بركة «فتح باب الترشح أمام من يحملون جنسيات مزدوجة في مخالفة صريحة للقانون الليبي، بينما يُقصى من وُلد وعاش في ليبيا ويحمل وثائق ثبوتية معترف بها لمجرد أنه لم يُمنح رقمًا وطنيًا بعد».
واعتبر أن «هذا التناقض في المعايير يُقوّض مبدأ النزاهة وتكافؤ الفرص، ويؤدي إلى الإخلال بثقة المواطن في عدالة العملية الانتخابية»، وعليه، فقد طالب بتسوية أوضاعهم وتمكينهم من المشاركة في صنع القرار يجب أن يكون أولوية وطنية، لا ذريعة للإقصاء.
المجلس الاجتماعي للطوارق يعلق
وعبر المجلس الاجتماعي لأفراد قبائل الطوارق عن خيبة أمله من مخرجات اللجنة الاستشارية بعد حرمانها لهم من المشاركة السياسية، و«انتهاكاً صارخاً للإعلان الدستوري، ومساساً بمبادئ العدالة والمساواة»، وهو موقف يتبناه أيضاً المجلس الأعلى لطوارق ليبيا.
وأكد رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية أسعد زهيو حساسية قضية حاملي الأرقام الإدارية في ليبيا، لا سيما أولئك الذين يُتهمون بالحصول على الجنسية بالتزوير، وهي ملف شديد التعقيد في المشهد الليبي بعد عام 2011.
– للاطلاع على العدد «498» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وأوضح زهيو في تصريح لـ«الوسط»، «لا ينبغي استبعاد أي مواطن ليبي حقيقي من حقوقه الأساسية، لأن إقصاء فئة من الليبيين بناءً على شبهات عامة قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والانقسام».
وفي المقابل، هناك مخاوف حقيقية ومبررة من حدوث تغييرات ديموغرافية كبرى، قائلا أن «الأعداد المتواجدة حاليًا في ليبيا والتي يُثار حولها الشك أكبر بكثير من تلك الحالات التي كانت الدولة تسعى لحل مشاكلها قبل عام 2011»، موضحا «ذا التدفق والتزوير للحصول على الجنسية يثير قلقًا عميقًا بشأن الهوية الوطنية والمستقبل الديموغرافي للبلاد، بالإضافة إلى آثاره على الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي».
وبعد عام 2011، شهدت ليبيا تدفقًا كبيرًا لأعداد من خارج البلاد، استقر بعضهم في مناطق متفرقة، وبشكل خاص في الجنوب الليبي، تزامن ذلك مع استشراء التزوير، لا سيما في السجل المدني، مما جعل من الصعب على مؤسسات الدولة التمييز بين الليبيين الأصليين والوافدين الجدد الذين حصلوا على الجنسية بطرق غير مشروعة، هذا الوضع خلق تحديًا مزدوجًا، ضمان حقوق المواطنة والمخاوف الديموغرافية والأمنية.
من وجهة نظر السياسي الليبي، يكمن الحل في ما يعتقد أنه «اتباع نهج منهجي ومرحلي يراعي هذه التعقيدات من خلال العودة إلى سجلات حاملي الأرقام الإدارية قبل عام 2011، هذه الفئة، التي كانت لديها مشكلات في تسوية أوضاعها قبل هذا التاريخ، هي الأقل عددًا والأكثر وضوحًا من حيث هويتها»، داعيا «لتسوية أوضاعهم ومنحهم أرقامًا وطنية بما يضمن حقوقهم كمواطنين ليبيين أصليين».
بعد ذلك، يقترح زهيو على الدولة التركيز على قضية الأعداد الأخرى التي وفدت حديثًا وحصلت على وثائق ليبية. كما يجب تشكيل لجان متخصصة ومستقلة للتحقيق في ملفات الجنسية التي أُثيرت حولها شبهات التزوير، بالاعتماد على سجلات موثوقة وفحص دقيق للوثائق.
ودعا أسعد زهيو لتطبيق القانون على من يثبت تورطه في التزوير، سواء من حصل على الجنسية أو من سهل ذلك، لضمان ردع هذه الممارسات. وقد تظهر حالات معقدة تتطلب معالجة إنسانية، ولكن يجب ألا يتعارض ذلك مع مبدأ حماية الهوية الوطنية. لكن استدرك بإن «حل هذه القضية يتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاونًا مؤسسيًا، وشفافية مطلقة، لضمان العدالة للجميع وحماية مستقبل ليبيا وهويتها».
تزوير واسع النطاق في قيودات الأسر بالسجل المدني
ويوم الاثنين الماضي، أعلنت النيابة العامة عن أمرها بحبس 68 متهما على ذمة التحقيق في وقائع تزوير واسعة النطاق تتعلق بقيودات الأسر في السجل المدني.
وقد أسفرت جهود لجان التحقيق حتى الآن عن فحص صحة قيودات 10620 أسرة، وتدقيق بيانات الانتماء إلى الأصل الليبي لـ 6990 حالة، حيث تم رصد 291 رقما وطنيا تقرر وجوب شطبها وفق النيابة العامة في بيان لها. وأشار البيان إلى تحريك الدعوى العمومية في مواجهة متهمين بارتكاب 3130 واقعة تزوير شملت وثائق الاكتتاب، والإقامة، والانتقال في السجل المدني.
وفي أبريل أيضا كشف مكتب النائب العام الصديق الصور عن مراجعة شاملة لملفات إجراءات الحصول على الجنسية الليبية بلغ عددها 282 ألفا و447 ملفا. وفي مارس الماضي، قضت محكمة جنايات مصراته بسجن أربعة ضباط في مصلحة الجوازات والجنسية، بعد إدانتهم بتهمة «تزوير أختام حكومية ووثائق رسمية بغرض التربح غير الشرعي».
بدوره بيّن الباحث السياسي إدريس أحميد لـ«الوسط»، أن الإجراءات المتبعة بحق من كان خارج ليبيا ويحمل أصولا ليبية يتم تسجيله في القنصليات الخارجية أولا، فيما تم تكليف لجنة متخصصة لكشف التزوير في الأرقام الوطنية. ولفت إلى وجود أساليب ملتوية في الحصول على الأرقام الوطنية والمتورطين استفادوا من حالة الفوضى في السنوات الأخيرة.