تقرير روسي: مشروع «الفيلق الأفريقي» يواجه عقبات في الألغام الليبية

رصد تقرير روسي حديث ما اعتبرها «ألغام» ليبية تعترض هدف موسكو تعزيز نفوذ فصيلها المسلح المعروف بـ«الفيلق الأفريقي»، الذي حلّ بدلاً لقوات «فاغنر» التي تلاشت مع مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين.
وسلط تقرير لموقع «ريدل» الضوء على التوترات الأمنية والعسكرية في غرب ليبيا مؤخرًا، معتبرا أن مركز قوة ليبيا آخر، يمثله خليفة حفتر، استغل هذا الوضع وبدأ بنقل وحدات من قواته إلى مناطق أقرب إلى الغرب، من بنغازي إلى سرت، مدللاً على أن «تكتيكات حفتر السابقة في استغلال الانقسامات بين قوات غرب ليبيا» من خلال الضغط تجعل من غير المستبعد أن يجدد حفتر محاولاته للهجوم على العاصمة طرابلس.
وعاد التقرير إلى ملابسات التوترات الأخيرة في طرابلس، معتقداً أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة «افتقد براعة عقد الصفقات خلف الكواليس»، وهو ما فتح جبهة مواجهات بين التشكيلات المسلحة في غرب ليبيا، وأدى ذلك إلى اشتباكات مسلحة واحتجاجات عامة وموجة جديدة من الاضطرابات السياسية.
دور القوى الخارجية
وأشار التقرير إلى أن «القوى الخارجية تلعب دورًا مهما في استقرار الوضع»، لافتا إلى تركيا، التي أنقذت طرابلس سابقًا من سيطرة قوات حفتر، وروسيا، التي رسّخت وجودًا غير رسمي في جميع المواقع العسكرية شرق ليبيا تقريبًا.
بالنسبة لموسكو، يرى التقرير أنها لا تزال تكافح للحفاظ على نفوذها في سورية ما بعد الأسد، لافتا إلى أن أي محاولات جديدة من حفتر للسيطرة الكاملة على ليبيا «قد تكون لها عواقب وخيمة»، مما قد يُقوّض مشاريع «الفيلق الأفريقي» المتعثرة أصلًا في جميع أنحاء القارة. ومع ذلك، يتابع التقرير: «حتى بدون مغامرة عسكرية جديدة من حفتر، فإن وجود موسكو متوسط المدى في ليبيا يفتقر إلى آفاق واضحة».
– هل تنجح روسيا في تأمين قاعدة بحرية بليبيا؟
– كوركودينوف لـ«بوابة الوسط»: مستقبل الوجود الروسي بليبيا يعتمد على شرطين
– «صوفان»: توسع روسيا داخل ليبيا وأفريقيا دفع أميركا لإعادة النظر في «عزل» حفتر
مسار السياسة الخارجية الروسية المتعرج
على مدار العقد الماضي، تغير موقف روسيا من ديناميكيات القوة الداخلية في ليبيا بشكل متكرر، بحسب موقع «ريدل» الذي يرى أن انحياز موسكو في بعض الأحيان علنًا إلى خليفة حفتر، «كان فقط لموازنة هذا الميل لاحقًا من خلال تكثيف الاتصالات مع سلطات طرابلس»، مشيرا إلى أن «مسار السياسة الخارجية المتعرج ارتبط بنجاحات وإخفاقات ساحة المعركة في ليبيا»، حيث سارع الكرملين بعد فشل هجوم قوات حفتر المدعومة من «فاغنر» على طرابلس، إلى تعديل إجراءاته لصالح السلطات في غرب ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، أدت «الانقسامات الداخلية داخل النخبة الروسية – حيث دعت وزارة الخارجية إلى الحوار مع طرابلس، بينما دعمت وزارة الدفاع حفتر، وافتقر الكرملين إلى الإجماع – إلى المزيد من التقلبات السياسية».
بحسب التقرير، يعتقد خبراء عسكريون روس أن الصراع المشؤوم بين قائد «فاغنر» يفغيني بريغوزين ووزير الدفاع آنذاك سيرجي شويغو تصاعد في البداية بسبب الأحداث الليبية. في البداية، عززت «قوات بريغوزين» مواقع القوات الروسية النظامية في شرق ليبيا، إلا أن «الذيل» سرعان ما بدأ يُسيطر على الموقف، مطالبًا بالاعتراف بخبرة «فاغنر في استخدام القوة «الصارمة» و«الناعمة» على الأرض.
وفّر هذا الصراع ثروةً من المعلومات، لكن قصة «فاغنر» في ليبيا انتهت في سبتمبر 2023، بعد القضاء على بريغوزين، وقتها هدد مرتزقة روس في قواعد ليبية بضرب منشآت وزارة الدفاع الروسية القريبة إذا لم يسمح الجيش فورًا لطائرة نقل تابعة لـ«فاغنر» – كانت تقل أكثر من 100 من أفراد أمن بشار الأسد من «مهمة ليبية» – بالهبوط في سورية. كان هذا على الأرجح القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي انسحب بعدها مرتزقة فاغنر بالكامل من سورية وليبيا، ليحل محلهم «الفيلق الأفريقي» الخاضع لسيطرة وزارة الدفاع بالكامل.
حدود النفوذ الروسي في ليبيا
بعد سقوط نظام الأسد وتقليص الوجود الروسي في سورية، مع نقل السلاح فعليًا من قاعدتي طرطوس وحميميم، «أصبحت المرافق الليبية معقلًا رئيسيًا لبسط نفوذ الكرملين في أفريقيا والشرق الأوسط»، وفق التقرير الذي أشار إلى أنه لا يمكن لوجستيًا إمداد وتدوير «الفيلق الأفريقي» في غرب أفريقيا، خاصة بوركينا فاسو والنيجر ومالي، دون الاعتماد على مرافق في مناطق نفوذ حفتر.
إزاء ذلك، يرجح التقرير أن تكون زيارة حفتر إلى موسكو في مايو 2025 كانت تهدف إلى الإعلان رسميًا عن مرحلة جديدة في سياسة الكرملين تجاه ليبيا، كما حضر حفتر استعراض يوم النصر إلى جانب رؤساء دول أخرى، وأجرى محادثات مع شويغو أمين مجلس الأمن الروسي الحالي محاطًا بقيادة الاستخبارات العسكرية، وفي 10 مايو استقبل فلاديمير بوتين حفتر في الكرملين، ثم استقبله لاحقًا – على الأرجح بعد تلقيه تطمينات من الرئيس – وزير الدفاع الحالي أندريه بيلوسوف.
– حفتر يلتقي وزير الدفاع الروسي في موسكو
– هل تتحول ليبيا إلى ساحة للتنافس بين واشنطن وموسكو؟
– سيناريوهات تفاهمات «ترامب – بوتين» المتوقعة على الملف الليبي
موقف موسكو الغامض
ومع ذلك، لا يزال موقف موسكو غامضا، وفق التقرير، إذ تقع سفارة روسيا في ليبيا في طرابلس فقط، كما عرقلت وزارة الخارجية باستمرار افتتاح قنصلية في بنغازي، على الرغم من الوجود الكبير للعسكريين الروس في شرق ليبيا.
ويرجح التقرير أن يدفع التصعيد في طرابلس، في ظل استقرار الشرق، موسكو نحو دعم أوضح لحفتر، لكنه قلل من فرص هذا المسار، فموسكو، على الرغم من استثماراتها في حفتر، تُدرك جيدًا وجود «قنبلة موقوتة» في شرق ليبيا، وهي قنبلة لا تستطيع نزع فتيلها حتى لو رغبت في ذلك، والمتمثلة في انتقال السلطة من حفتر، البالغ 81 عامًا، ويُعاني من مشاكل صحية.
ونظرًا لقلقه بشأن انتقال السلطة الوشيك، سعى حفتر منذ فترة طويلة إلى تفويض السلطة إلى أبنائه، وفي مقدمتهم صدام وخالد. يُعد صدام حفتر المنافس الرئيسي لقيادة «الإمبراطورية الشرقية»، بحسب وصف التقرير، الذي وقف على مراحل صعوده لقيادة القوات البرية.
مشهد آخر معقد في ليبيا يتمثل في موقف القبائل الجنوبية، التي طالما وجد حفتر معها أرضية مشتركة في الأوقات الصعبة، لكن بعضهم يُفضّل سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، على أبناء حفتر. وبينما يُرهق الليبيون الحروب الأهلية – وهو عامل قد يكون بالغ الأهمية خلال مرحلة انتقال السلطة – فإن مسألة توزيع الموارد قد تطغى على الرغبة في تحقيق الاستقرار السريع، وهو ملمح آخر أشد تعقيدا.
مع ذلك، تبقى القضية المحورية هي التوافق داخل عائلة حفتر، إذ يشير التقرير إلى رأي يسود بين كبار الخبراء، مفاده أن إظهار حفتر الوئام العائلي ليس سوى واجهة، في ظل منافسة جدية بين الإخوة في الواقع.
علاوة على ذلك، من غير المؤكد ما إذا كان صدام، في حال انسحاب والده، قادرًا على إقناع الألوية والكتائب الموالية له بالبقاء على ولائه. ومن غير المرجح أن تمر «حملة التطهير المستمرة التي تنفذها القيادة العامة، والتي أدت في عام 2024 وحده إلى فصل ما يقرب من 3000 ضابط وجنرال، دون عواقب خلال فترة انتقال السلطة». وقد يشعر البعض من بين الجيل الأصغر سنًا الذي تقدم بسرعة في السنوات الأخيرة بالاستياء والارتباط بـ«الحرس القديم»، مما أدى إلى تهميشهم ليس فقط من السلطة، بل أيضًا من مصادر الدخل.
الاقتصاد الموازي
ويدرك الخبراء جيداً الاقتصاد الموازي في شرق ليبيا، حيث يتشابك تهريب النفط مع تجارة المخدرات والبشر، مع غسل العائدات والنشاط الغامض لصندوق الإعمار الذي يتولاه بلقاسم حفتر.
لذلك يتوصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن المعادلة الأمنية الحالية في شرق ليبيا تعتمد على «علاقات دولية واسعة النطاق أقامها صدام وخالد، مع حلفاء كروسيا ومصر والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى خصوم كتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وغيرها». ويتسم دور تركيا في ليبيا الحديثة بالتناقض الشديد، فقبل بضع سنوات كانت أنقرة الخصم الرئيسي لعائلة حفتر، مما ساهم في فشل «القيادة العامة» في السيطرة على البلاد بأكملها، أما الآن فشركات البناء التركية تشارك في العديد من مشاريع البنية التحتية في شرق البلاد.
يرى التقرير أن هناك أسبابا للاعتقاد بأن صدام وخالد يسعيان للحصول على دعم من جهات فاعلة مختلفة: الأول من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والثاني بشكل رئيسي من روسيا وبيلاروسيا.
وتشير الشائعات إلى أن السرية المحيطة ببناء قاعدة لصالح «الفيلق الأفريقي» مرتبطة بجهود خالد لإثبات قدرته على تزويد روسيا بمركز لوجستي رئيسي لنقل البضائع والأفراد إلى بوركينا فاسو ومالي والنيجر والسودان حتى في منطقة تخضع لسيطرة صدام.
آفاق «الفيلق الأفريقي» في خطر
وإذا كانت ديناميكية القوة هذه دقيقة، فإن آفاق «الفيلق الأفريقي» – وهو مشروع يهدف إلى استبدال فلول «فاغنر» في المنطقة الخاضعة لسيطرة المخابرات العسكرية الروسية – قد تكون في خطر وتعتمد بشكل كبير على قدرة عائلة حفتر على التوصل إلى أي توافق، وحتى لو جرى التوصل إلى توافق، فإن الجهات الخارجية التي يعتمد عليها ستكون ذات أهمية كبيرة.
يختتم التقرير بأن «موسكو تُفضّل أن تكون المنافسة بين أبناء حفتر لعبةً تكتيكيةً» تهدف إلى الحصول على تنازلات من جميع الأطراف وإظهار أهمية عائلة حفتر، إن لم يكن للبلاد بأكملها، فعلى الأقل لنصفها الشرقي. مع ذلك، يُرجّح أن الكرملين «تجاهل تحذيرات الخبراء من أن انتصار الأسد في الحرب الأهلية السورية كان وهمًا وأن انهيار نظامه كان شبه حتمي. وعواقب هذا الخطأ في التقدير معروفةٌ جيدًا»، وفق التقرير.