الحالة الحالية في ليبيا وافتقارها للرواية الوطنية

نعني بالسردية هنا المبادئ القاعدية في الفكر الاستراتيجي المؤسسة لغايات وآفاق دولة أو حزب ما في علاقتها، أو علاقته، بالوضع الدولي في العالم، ووزنه في مجمل هذا الوضع.
ولكي تؤدي هذه السردية وظيفتها المبتغاة لا بد أن يُحافظ عليها، قدر الإمكان، متماسكة، فإذا اهتزت فتهتز، تبعا لذلك، أركان الدولة أو الحزب، ويصبح هذا الكيان، دولة كان أو حزبا، تائها وعرضة للتأثيرات والتدخلات الخارجية.
وهذا ما يجري في ليبيا الآن. ما يجري الآن ليس فقط اهتزاز تماسك السردية، وإنما زوالها بالمطلق، إذ لا توجد سردية ليبية متماسكة ذات استراتيجية وأهداف واضحة على المستوى الوطني يمكن الركون إليها، وتحدد اتجاه بوصلة الدولة.
أيا كان موقفنا من حقبة حكم معمر القذافي، إلا أنه ينبغي القول إنه كانت هناك سردية واضحة ومستقرة ضمنت سيادة الدولة الليبية، وحالت دون التدخل، المباشر أو غير المباشر، في شؤونها. ولقد تمثلت هذه السردية في تحليلي في النقاط التالية:
1- الحفاظ على سيادة الدولة على إقليمها واستقلال قرارها.
2- معاداة حقيقية وفعلية للاستعمار والإمبريالية.
3- دعم حركات التحرر ضد الاستعمار في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
4- الالتزام بدعم القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني انطلاقا من الإطار العام لفكرة القومية العربية.
من خلال منطلقات هذه السردية تمكن نظام معمر القذافي من الحفاظ على سيادة ليبيا ضمن شبكة توازنات العلاقات الدولية إقليميا وعالميا.
الآن، الأراضي الليبية ومنتهكة، والسيادة غائبة، والقرارات رهينة الإملاءات الخارجية، ولا يبدو أنه ثمة أمل في الخروج من هذا الوضع المأزقي على المدى القريب أو المتوسط. إلا أن هناك من يرى أن «هذا لا يعني أن الباب قد أُغلق»**.
على العكس، فإن «ملامح تحول هادئ بدأت تتشكل في الأفق»، ووجود الأمل أمر سار، والتبشير بأن «ثمة وعيا جديدا بدأ يتجاوز صخب الخنادق وصمت القنوات، ليصوغ مشروعًا ليبيًا خالصًا، يقوده وطنيون حقيقيون، يمتلكون القدرة على بناء جسور مباشرة مع العالم من طرابلس، لا عبر أحد». ذلك أن «هذا المشروع لا ينتظر إذنًا من أحد، لأنه يستند إلى منطق المصالح المشتركة، لا الهبات، ويرتكز على قناعة بسيطة لكنها حاسمة: إن الطريق إلى واشنطن أو بكين أو بروكسل يجب أن يبدأ من طرابلس وينتهي فيها، وإن ليبيا، بثقلها الجغرافي والتاريخي، لا يُمكن أن تكون طرفًا هامشيًا في معادلة المتوسط والساحل وأوروبا».
لسنا ضد الأمل، ولا التبشير بالخلاص، لكننا نعتقد أن هذا ينبغي أن يكون مؤسسا على وقائع صلبة، وهو ما تغيب الإشارة إليه في مقال أحمد زاهر.
* هذا المقال مستلهم من محاضرة ناصر قنديل: انهيار سردية الغرب وكيان الاحتلال واليمن يتحدى العالم والعرب بالقيم الأخلاقية والبطولة والكفاءة. https://www.youtube.com/watch?v=K6ILzH2coio
** أحمد زاهر: آن للطرق أن تبدأ من هنا: https://alwasat.ly/news/opinions/479316?author=1
وكل السطور المنصصة بعد ذلك تعود إلى هذا المقال.