“أراب ويكلي”: تأثير القذافي لا يزال يلاحق ليبيا

“أراب ويكلي”: تأثير القذافي لا يزال يلاحق ليبيا

خلص مقال نشرته جريدة «أراب ويكلي» إلى أنه بعد أكثر من عقد من الزمان على وفاته، لا يزال إرث معمر القذافي يطارد ليبيا، «من خلال المؤسسات المتصدعة والتوقعات الحنينية والجروح غير الملتئمة من الحرب التي أنهت فصلاً ولكنها بدأت فصلاً آخر».

وبعد أكثر من عقد على سقوطه، يقول كاتب المقال، الباحث الأميركي في شؤون الأمن والإرهاب ياسين فواز، «لا يزال شبح القذافي يشكل سياسات البلاد وهويتها وذاكرتها؛ فليبيا لا تزال في حرب مع نفسها، وتجد صعوبة في التماسك».
سقوط الديكتاتورلم يكن النهاية.

وأضاف فواز، في مقاله المنشور بتاريخ 2 يونيو الجاري، أن «هذا الإرث ليس مجازيا، بل محسوسا في المدن المهجورة بسبب الانتقام، وفي الشعارات السياسية التي تردد صدى خطابه، وحتى في إحياء صورته من قبل بعض الموالين له. يبدو أن سقوط الديكتاتور لم يكن نهاية نفوذه، بل مجرد تحول».

وتابع: «إبان مقتل القذافي، كان يُحتفى بليبيا باعتبارها نموذج لنجاح الربيع العربي. فعلى عكس سورية، التي انزلقت ثروتها صوب حرب دائمة، كان داعمو ليبيا الدوليين، خصوصا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يأملون في إعادة تشكيل البلاد إلى دولة حديثة بعد القذافي».

وواصل: «لكن تلك الآمال كانت سابقة لأوانها. فقد أنهارت المؤسسات، وسرعان ما فقدت الحكومة الانتقالية شرعيتها. وما ظهر عوضا عن ذلك كان فراغ السلطة، ملأتها حكومات متنافسة وتشكيلات مسلحة متنازعة ووكلاء أجانب».

ذكرى القذافي تعود وسط الفوضى
ووسط تلك الفوضى، يشير الكاتب إلى «عودة ذكرى القذافي من جديد لتنمو بدلا من أن تندثر، وبدأ بعض الليبيين يراودهم الحنين للماضي، بالرغم من قسوة نظامه، فقد رأى البعض أن حكمه يتسم بالنظام والاستقرار والرفاهية وتدفق النفط».
والآن، يلفت المقال إلى «غياب قيادة موحدة مع وجود حكومتين متنافستين لتنقسم ليبيا وسط انعدام القانون. إن الشوق إلى سلطة مركزية، أي سلطة مركزية، أعاد إرث القذافي إلى الخطاب السياسي».

كما أشار إلى ظهور سيف الإسلام القذافي من جديد بعد سنوات من الاختباء لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، وبالرغم من استبعاده بقرار قضائي، يقول الكاتب إن «ترشحه يعكس توقا لدى بعض شرائح الليبيين، لا سيما في الجنوب وبعض القبائل، للعودة إلى الماضي».

تاورغاء مدينة الأشباح
وتطرق المقال بشكل خاص إلى الوضع في مدينة تاورغاء، ورأى أنها المثال الأبرز على إرث القذافي، وأشار إلى أنها كانت موطنا لعشرات الآلاف من الموالين لنظامه، وواجه أهالي المدينة اتهامات بدعم قوات النظام خلال حصار مدينة مصراتة، لهذا اجتاحت تشكيلات مسلحة من مصراتة المدينة، وأحرقت منازلها وهرب سكانها وهي اليوم شبه خالية، يعيش أهلها في مخيمات موقتة في أنحاء البلاد ممنوعين من العودة.

وقد أصبحت تاورغاء حرفيا مدينة أشباح، ورمزا للانقسامات العميقة التي تلت الثورة، وعوضا عن التوافق، يقول الكاتب إن «البلاد انزلقت في جولات من الانتقام. وجرى محو مجتمعات بأكملها أو تهميشها بسبب انتماءاتها السابقة».

وأضاف فواز: «كانت العدالة انتقائية، إن لم تكن غائبة بالكامل. ربما أنهى موت القذافي نظاما دكتاتوريا، إلا أنه ترك التوترات العرقية والقبلية والإقليمية دون حل، بعد أن قمعها في السابق بالقوة».

مفارقة مأساوية
وفي حين اعتمد القذافي على مزيج من التشكيلات المسلحة والمرتزقة والقبائل لتثبيت أركان حكمه، لا تزال المرتزقة، أبرزهم قوات «فاغنر» الروسية والمرتزقة السودانيين يعملون داخل ليبيا بعد أكثر من عشرة أعوام على سقوط نظامه.

– بعد اعتقال سمير شقوارة.. دار نشر فرنسية تتهم ليبيا بمحاولة إسكات مُبلّغ عن «جرائم نظام القذافي»
– أرملة القذافي تلاحق قناة فرنسية قضائيًا
– «وثائق بريطانية»: القذافي عرض التخلي عن «النووي» مقابل تخفيف الضغوط الأميركية

ووجد الكاتب ما وصفه بـ«مفارقة مأساوية في مصير ليبيا… فالقذافي، الذي نصب نفسه يوما ما زعيما أفريقيا ومعاديا للإمبريالية، ترك وراءه بلدا يعتمد على القوى والتدخلات الأجنبية. السيادة الآن مجزأة. ليبيا ملك للجميع ولا تنتمي لأحد».
نتيجة لذلك، كما يقول المقال، فشلت جميع المساعي المبذولة لإجراء انتخابات وطنية مرارا. وجرى تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في العام 2021 بسبب الخلافات بشأن كيفية إجراء الانتخابات.

العملية الانتخابية تتمحور حول النفوذ وليس الشرعية
وأشار فواز إلى أن ترشح سيف الإسلام القذافي على وجه الخصوص كان مثيرا للانقسام، إذ اعتبره البعض إهانة للثورة، في حين رأى فيها آخرون فرصة للخلاص، مضيفا: «والآن يعتقد قليل من الليبيين في إمكان إجراء الانتخابات في أي وقت قريب. فقد أصبحت العملية الانتخابية تتمحور حول النفوذ وليس الشرعية. أداة تستخدمها الفصائل المتنافسة لانتزاع تنازلات».

ليبيا في حالة من الجمود الانتقالي
ويؤكد المقال أنه «من دون انتخابات فقد علقت ليبيا في حالة من الجمود الانتقالي، تدعي كل سلطة متنافسة شرعيتها وتقوض الأخرى، وفي تلك الأثناء، يشعر الليبيون بخيبة أمل، ففي غياب تقدم ديمقراطي، تزدهر نظريات المؤامرة في فكرة أن الغرب يريد زعزعة استقرار ليبيا وهي فكرة روج لها القذافي من قبل».

وإلى جانب الحياة السياسية، يشير المقال إلى «وقوع الاقتصاد تحت سطوة وسطاء القوى في المنطقة. وأصبحت الثروة النفطية، التي يمكن استغلالها لبناء البلاد، ضحية صراع جيوسياسي، وهو شبح آخر للسيطرة المركزية التي كان يتمتع بها القذافي ذات يوم».

وتحدث الباحث عن «الصعوبة التي يجدها عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، في توحيد البلاد أو إجراء انتخابات وطنية، وهي المهمة الموكلة له عند تنصيبه بالعام 2021. وتميزت فترة ولايته بالصراعات السياسية والمقاومة الفصائلية والسخط العام».

وأكمل، معلقا على الاشتباكات التي عصفت بالعاصمة طرابلس الشهر الماضي: «برزت المطالب باستقالة الدبيبة مع خروج الآلاف في تظاهرات بشوارع طرابلس، مما يعكس استياء واسع النطاق من تعثر الانتقال السياسي. ويجسد عجز حكومة الدبيبة عن كسر الجمود والشلل الدائم الذي خلفه القذافي».

الأصول الليبية المجمدة
وتضيف الأصول الليبية المجمدة بالخارج طبقة إضافية من التعقيد، بحسب الكاتب الذي أشار إلى أن قيمة تلك الأصول تتخطى 60 مليار دولار. لكن النزاعات القانونية والفساد أجل إمكان استعادتها. ويعتقد البعض أن تلك الأصول يجري إساءة استخدامها من قبل القوى الأجنبية، فيما يشعر آخرون بالقلق من وقوعها في الأيادي الخاطئة.

في تلك الأثناء، يتحدث الكاتب عن «حالة الشلل الاقتصادي المستمرة في ليبيا مع انهيار البنية التحتية وارتفاع مستوى البطالة وسوء توزيع العوائد النفطية. فالأموال التي يمكن أن تستخدم لإعادة بناء الدولة عالقة في نوع من صراع التطهير تماما مثل ليبيا نفسها».

ليبيا بحاجة إلى أكثر من الانتخابات
ويرى الكاتب أن «أزمة ليبيا لا تكمن في فترة حكم القذافي الطويلة بل الإرث الذي خلفه. فلا مؤسسات قوية أو ثقافة مدنية أو خارطة لتداول السلطة، فقط الفراغ. وفي هذا الفراغ، لا يزال شبحه يطارد ليبيا، ويسكن حنين المحبطين وحسابات أمراء الحرب».

وخلص إلى أن الانتخابات وحدها لن تكون كافية لإعادة ليبيا إلى مسارها الصحيح، مؤكدا أن ليبيا «تحتاج إلى محاسبة وطنية، ولجان تقصي حقائق، وعدالة انتقالية دون انتقام، وتسوية سياسية تُعطي الأولوية لاحتياجات ليبيا لا للمصالح الفئوية أو القبلية».

وفي نهاية مقاله، دعا الكاتب ياسين فواز الأطراف الليبية في شرق وغرب البلاد إلى التوقف عن الاعتماد على التحالفات الخارجية وتشجيع التدخل الأجنبي، ودعاهم إلى بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية تقود مستقبل البلاد.