(تعلموا .. وطبقوا)

كنت أنوي كتابة موضوعي هذا عن فلسفة الإدراك السليم، التي كانت موضوعاً أساسياً في مادة علم النفس، خلال دراسة سنتي الأوليين بجامعة بنغازي سنة 1971 /1972. حينها كنت مأخوذاً بفلسفة «ويليام جيمس» التي أفنى تلك السنة أستاذي محمد علي العريان، شارحاً روح تلك الفلسفة، التي جعلت منه فيلسوفها، ورمزاً كبيراً لها.
في الغالب، عندما أنوي تقديم شخصية بارزة في موضوع ما، أستعين بهذا (الجوجل) الرهيب، فطال طنين جهازي قبل أن يقدم ملفاً طلبياً، وهو الفيلسوف، الذي أشرت إليه؛ كان حجم الملف وباختصار شديد 10799 كلمة! وهذا كما تعلمون رقم كبير.
لأن هذا الأميركي (ويليام جيمس – William James) الذي ولد يوم 11 /1/ 1842 وتوفي يوم 26 /8/ 1910، هو فيلسوف عصره في مادة تخصصه، وهي علم النفس، بل يعد أول معلّم يقدم منهجاً دراسياً كاملاً في علم النفس في الولايات المتحدة الأميركية.
ويُعتبر مفكراً رائداً في أواخر القرن التاسع عشر، وأحد أكثر الفلاسفة نفوذاً في الولايات المتحدة الأميركية وفوق ذلك «مؤسس علم النفس الأميركي» وأحد قامات المدرسة الفلسفية البراغماتية، إن لم يكن أبرزها، وصنف في العام 2002 في المرتبة الرابعة عشرة بين أهم علماء النفس في القرن العشرين.
وأيضاً، وبحسب استقصاء مجلة «علم النفس الأميركي» المنشور في العام 1991 في المرتبة الثانية، بعد (فيلهلم فونت) الذي يعتبر مؤسس علم النفس التجريبي، وبالتأكيد كان في تقديمه الذي استندت إليه الكثير مما يهم المختصين، وذكره في النبذة سيبعدنا عن نقطة محددة هي التي وددت توضيحها، فباختصار شديد هي التي أطلق عليها اسم الإدراك السليم! ولعله من المفيد الإشارة إلى أنه اشتهر بين علماء تخصصه بأنه مؤسس هذا المذهب الفلسفي، فهو الذي وضع قواعده، وأطلق عليه اسمه.
فلسفة الإدراك السليم خلاصتها أن الحقيقة، إن كانت ثمة حقيقة في موضوع ما، لا تأتي دفعة واحدة، وهي في الغالب بعيدة جدا عن تناولنا، ولا يجب أن نشغل أنفسنا بها، فمحكها هو نجاحها، وهذا هو مذهب رجال الأعمال الناجحين. حسنا أليس ذلك هو لب الآية الكريمة: ﴿ وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [ التوبة: 105]
وقل ما قاله الفيلسوف مؤسس هذا المذهب هو لب هذه الآية الكريمة، لم يشر إلى تدريب على العمل أو تهذيبه، وإنما مباشرته بنية صادقة وقناعة بحقيقته ونجاحه.
والعجيب أنه لم يتلق أي تدريب رسمي مبرمج في التخصص الذي اشتهر به، فلقد قال بوضوح: «إنني لم أتلق تعليماً فلسفياً، وأن أول محاضرة سمعها في علم النفس، هي التي ألقاها أول مرة بنفسه!» يعني أنه «توكل على الله» وباشر ما اقتنع بحقيقته وفائدته.
ولقد أضاف تلاميذه ومريدوه أن الإنسان بمقدوره أن يرتقي فوق الظروف، وأنه ليس ضحية الوراثة ونتائجها وكذلك البيئة التي وجد نفسه بها، وأننا خلقنا بقدرات نستطيع بها تهذيب أنفسنا وتعليمها ورفع شأنها وتحسين شخصيتنا وبالتالي وضعنا الذي سيعود بالتأكيد علينا وعلى ذوينا وبالتالي مجتمعنا.
أليس هذا هو الهدف من الآية الكريمة التي أشرنا إليها؟ أليس هدفها توكلوا على الله واعلموا .. اعلموا، والله سوف يكون معكم طالما نواياكم طيبة.