ليبيا غنية بالنفط وشعبها يعاني من الفقر.

حين نُمعن النظر في تجارب الدول الناجحة حول العالم، نجد أن الدول الإسكندنافية – السويد، والنرويج، والدنمارك، وفنلندا – تتصدر قوائم الدول الأكثر استقرارًا وازدهارًا. فما هو القاسم المشترك بينها؟ الجواب ببساطة: المساواة.
لم تصل هذه الدول إلى ما هي عليه بمحض الصدفة، بل شقّت طريقها نحو الرخاء عبر بناء مجتمعات قائمة على العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والحرص على تضييق الفجوات بين الطبقات. لقد أدركت منذ زمنٍ بعيد أن الفقر، والتمييز، والتهميش، ليست مجرد مشكلات اجتماعية عابرة، بل هي قنابل موقوتة تهدد وحدة الدولة وسلامها الداخلي – تمامًا كما هو الحال في ليبيا اليوم.
وعلى النقيض من ذلك، تُظهر الدراسات والتجارب بوضوح أن الدول التي ترتفع فيها معدلات انعدام المساواة، تكون أكثر عرضة للاضطرابات السياسية، والانقسامات الاجتماعية، وانهيار الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وهو ما يُفضي في النهاية إلى غياب الاستقرار. ولا غرابة في أن تُصنَّف ليبيا الآن كإحدى هذه الدول.
ليبيا، الآن رغم إنتاجها النفطي وثرائها بالمواد النفطية والمعدنية يعتبر شعبها فقيرا ووفقا لآخر دراسة نشرت من جامعة مصراتة قرابة 40% من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر منهم حوالي 1.9% يعيشون في الفقر المدقع وأكثر من 30% تحت خط الفقر برواتب أقل من 2.350 دينار شهريا. ووفقا لدراسة أخري نشرتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن نسبة الفقر في ليبيا زادت إلى 40% في سنة 2023. وفي تحليلي السبب يرجع إلي ارتفاع الفساد المؤسساتي وزيادة التضخم وانخفاض قيمة الدينار الليبي متأثرا بانقسام ليبيا إلي دولتين في الشرق والغرب بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عشرة سنوات.
الفقر في ليبيا قضية وطنية ليس لها حدود. ووفقًا للدراسات الدولية فإن المناطق الأكثر فقرًا هي في تازربو ودرنة وجالو حيث تصل مستويات الفقر إلى 80٪ من السكان. وعلى المستوى الإقليمي تأتي طرابلس في المرتبة الأولى بنسبة 13.3٪ من سكانها الذين يعيشون تحت مستويات الفقر وخليج سرت في المرتبة الثانية بنسبة 4.9٪ وبنغازي في المرتبة الثالثة بنسبة 4.8٪. هذه أرقام مثيرة للقلق للغاية خاصة لدولة تعداد سكانها لا يتجاوز ثمانية ملايين نسمة وإنتاجها النفطي في حدود 1.2 مليون برميل سنويا ولديها صندوق ثروة سيادي بقيمة 67 مليار دولار وأكثر من 550 شركة استثمارية في العالم.
في نهاية المطاف، ليست المساواة مجرد شعار يُرفع في المناسبات والخُطب، بل هي مسار عمل حقيقي، ورؤية وطنية واضحة، واستراتيجية شاملة طويلة الأمد. إن كنا حقًا نطمح إلى بناء دولة ليبية حديثة، مستقرة، وآمنة، فالبداية يجب أن تكون من الإنسان؛ الإنسان الذي يشعر بأن هذا الوطن وطنه، وأنه ليس حكرًا على فئة، أو جهة، أو طبقة بعينها. لقد عانى الليبيون طيلة العقود الخمسة الماضية، منذ عهد القذافي وحتى اليوم، من سياسات أقصت الإنسان وهمّشت قيم العدالة والانتماء. وحان الوقت لنبدأ التغيير من الجذر.