جنون تذكارات الحروب: سوق معركة النورماندي بين الهوى والفبركة المتقنة

تشهد سوق القطع التذكارية العسكرية المرتبطة بإنزال 6 يونيو 1944 ومعركة النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية ازدهارًا منذ نحو 20 عامًا، لكنّ الجانب السلبي لهذه الطفرة يتمثّل في أن المنتجات المزوّرة باتت شديدة الشبه بالأصلية، إلى حد يربك حتى أكثر الخبراء تمرسًا.
يقول خبير القطع التذكارية المعتمد من الغرفة الأوروبية للخبراء الاستشاريين في الأعمال الفنية، إيمانويل ديلغادو: «هذا القطاع يجذب الكثير من الناس، والكثير من المزوّرين»، في حديث لوكالة «فرانس برس».
ولا يُعدّ ازدهار سوق تذكارات معركة النورماندي مصادفة، إذ ارتفع الاهتمام بالحرب العالمية الثانية خلال الأعوام العشرين الأخيرة بفضل الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، وعلى رأسها مسلسل «باند أوف براذرز» Band of Brothers الذي عُرض على شبكة «HBO» العام 2001، والذي أعاد تسليط الضوء على فرقة «101 إيربورن» الأميركية المحمولة جوًا.
– «حرب النجوم» تعود للواجهة.. بيع أسلحة تشوباكا ولوك سكايوولكر في مزاد بملايين الدولارات
– أفغانستان: تجار السجاد والتذكارات يواجهون معضلة مع رحيل الأجانب
– بيع تذكارات لفرقة «بيتلز» بأكثر من 158 ألف دولار
ويقول ديلغادو: «سعر بزة المظليين الأميركيين الذين شاركوا في المعركة كان يتراوح قبل عشرين عامًا بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف يورو. أما اليوم، فقد يصل سعر السروال وحده إلى 20 ألف يورو».
أما التذكارات الألمانية، وتحديدًا تلك المرتبطة بالمظليين، فهي أندر وأكثر قيمة. ويضيف ديلغادو: «إذا وجدتم خوذة مصنّفة على أنها تعود لفوج المظليين الألماني السادس في كارينتان ليه ماريه، فقد تُباع بسعر يتراوح بين 30 ألف يورو و40 ألفًا».
«مزوّرات عالية الجودة»
لكنّ هذا الطلب المتزايد خلق مناخًا مثاليًا لازدهار التزوير. ويشير ديلغادو إلى أن «التمييز بين القطعة الأصلية والمزوّرة أصبح شديد الصعوبة، حتى بالنسبة للخبراء»، مؤكدًا أن بعض القطع «صُنعت بإتقان شديد يجعلها تبدو قديمة وأصيلة».
ويشدّد على أن «تفادي الاحتيال يتطلب الاستعانة بخبير معتمد، واستشارة محترفين، والاعتماد على مصادر موثوقة، إلى جانب الخبرة الشخصية».
وفي مزاد أقيم مقابل المقبرة الأميركية في كولفيل سور مير، حضر شباب في العشرينيات من العمر مرتدين بزات مظليين أميركيين. يقول جول (22 عامًا)، وهو سائق شاحنة من لوهافر: «أجمع القطع التذكارية منذ عشر سنوات، ومعظم بزتي عبارة عن نسخ مقلّدة، إذ أن القطع الأصلية باهظة الثمن».
تقدّر قيمة بزته بحوالى 700 يورو، ويقول إن مجموعته، التي تتضمن بعض القطع الأصلية، تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 10 آلاف يورو. لكنه يؤكد: «غالبًا ما أعثر على قطع مزيفة، لذلك أشتري بأدنى سعر ممكن تحسبًا لأي خطأ».
سوق مشبعة بالتحايل
من جهته، يقول ماتيو دوميا، مدير «ميليتاري كلاسيك سنتر» في غرانكان ميزي، إن «الأمر بات معقدًا جدًا». ويذكّر بأن عمليات التزوير بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتشمل «قطعًا مزيفة بجودة عالية، طُليت أو تم تمويهها لتبدو وكأنها تعود لأربعين عامًا».
يبيع دوميا تذكارات عسكرية على مدار السنة، وينظم مزادين سنويًا في مستودعه. ويشير إلى أن «الإقبال الكبير على دور المزادات يعود إلى إمكانية التحقق من الأصالة من خلال خبراء، مما يمنح المشترين شعورًا بالأمان».
ويكشف أن بعض القطع تكون أصلية من حيث الحقبة الزمنية، لكنها خضعت لتعديلات تجعلها تُنسب زورًا إلى وحدات نخبة، مما يعزز قيمتها السوقية. يقول: «يُستخدم في هذه التعديلات أحيانًا خيوط وآلات خياطة أصلية».
ويختم دوميا بالإشارة إلى قبعة تعود إلى عنصر من «الوحدة الوقائية الألمانية» (SS)، قائلاً: «المزوّرون صنعوا نسخة مقلّدة من شارتها المعدنية باستخدام المكبس والقالب الأصليين. ماذا يمكن أن تفعل؟ الأمر معقد فعلًا»