الأمم المتحدة: ليبيا تواجه أزمة إنسانية مستمرة نتيجة الانقسام السياسي وانعدام الأمن

الأمم المتحدة: ليبيا تواجه أزمة إنسانية مستمرة نتيجة الانقسام السياسي وانعدام الأمن

أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن ليبيا لا تزال تواجه أزمة إنسانية مستمرة خلال العام 2025، بسبب الانقسامات السياسية وانعدام الأمن الداخلي وانعدام الاستقرار الاقتصادي والتدخلات الأجنبية المستمرة.

وأشار المكتب، في تقييم أخير للوضع الإنساني في ليبيا، إلى أن ما لا يقل عن 787 ألف شخص، ما بين مهاجرين ونازحين وطالبي لجوء، بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينهم 35 ألف نازح داخلي، و335 ألف طالب لجوء، و417 ألفًا و598 مهاجرًا، باستثناء المهاجرين السودانيين.

وضع المهاجرين واللاجئين داخل ليبيا
وأحصى تقييم مكتب الشؤون الإنسانية وجود 334 ألف لاجئ وطالب لجوء في ليبيا، بينهم 313 ألف سوداني وصلوا البلاد منذ أبريل العام 2023، منهم 60% من النساء والأطفال. ويفقتر 70% من هؤلاء وثائق الإقامة الرسمية ويتعرضون إلى مخاطر متنامية. 

فيما قدرت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أعداد المهاجرين داخل ليبيا بحوالي 858 ألفًا و604 مهاجرًا حتى مايو الماضي، يفقتر غالبيتهم إلى تصاريح العمل الرسمية، ويواجهون مستوى مرتفعًا من الهشاشة.

وينحدر المهاجرون في ليبيا من 46 دولة مختلفة، غالبيتها من الدول الأفريقية المجاورة. وباستثناء المهاجرين السودانيين، يشكل المهاجرون من النيجر النسبة الأعلى، بنسبة 22% من المهاجرين في ليبيا، يليهم المصريون بنسبة 20%، ثم مهاجري تشاد بنسبة 10%. 

وينخرط غالبية المهاجرين في وظائف غير رسمية في قطاعات البناء والزراعة والعمالة المنزلية. وسجلت البطالة بين المهاجرين مستوى مرتفعًا يتراوح بين 21% إلى 25% تقريبًا. 

وتحدث تقييم مكتب الشؤون الإنسانية عن تعرُّض المهاجرين إلى العنف وانتهاكات واستغلال، مع تقييد الوصول إلى الخدمات في مناطق مختلفة حول ليبيا، لا سيما النساء والأطفال غير المصحوبين بذويهم.

– أزمة إنسانية في الكفرة مع وصول آلاف النازحين من السودان
– «الأميركية للتنمية الدولية»: الانقسام السياسي يعرقل العمل الإنساني في ليبيا
– 5 منظمات إغاثة: «درنة وما جاورها» بحاجة إلى تدخلات طارئة لتنفيذ الخدمات الأساسية واستراتيجيات التعافي

كما رصد تقييم الاحتياجات أجرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها في 76 موقعًا مختلفًا داخل ليبيا، فجوات كبيرة واضحة في الوصول إلى خدمات المأوى والخدمات الصحية والتعليم للمهاجرين واللاجئين.

«كارثة دانيال».. نقطة تحول في الوضع الإنساني 
واعتبر التقرير الأممي أن كارثة العاصفة دانيال التي ضربت ليبيا في نهاية العام 2023 بمثابة «نقطة تحول» في البلاد، كشفت هشاشة البلاد أمام الصدمات المتعلقة بالمناخ، حيث أطلقت واحدة من أكبر موجات النزوح الناجمة عن الفيضانات في التاريخ الحديث.

وكشفت تلك الكارثة، إلى جانب اتجاهات التغيُّر المناخي الأوسع التي تشهدها ليبيا، الضعف المنهجي في البنية التحتية العامة، وسلط الضوء على الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في أنظمة التكيف مع تغير المناخ وجهود الحد من مخاطر الكوارث.

مشهد سياسي متشرذم
في السياق، تطرق تقييم مكتب الشؤون الإنسانية الأممي إلى تحديات إنسانية تشهدها ليبيا، وصفها بـ«المعقدة والمتشابكة»، تشكلها الانقسامات السياسية والتوترات المحلية والصعوبات الاقتصادية والصدمات البيئية.

وفي حين تظل أعداد النازحين مستقرة نسبيًا، إلا أن الهشاشة والتقلبات المتزايدة، الناجمة عن تصاعد الوضع السياسي والأمني، لا تزال تعطل الخدمات وترهق قدرات التكيف في المناطق المتضررة.

وتطرق المكتب الأممي إلى انقسام الحكم في ليبيا بين «حكومة الوحدة الوطنية الموقتة» في طرابلس والحكومة المكلفة من مجلس النواب في الشرق، وهو انقسام أدى إلى تشرذم المشهد الأمني، مع ممارسة عدد كبير من التشكيلات المسلحة النفوذ بدرجة تتخطى نفوذ المؤسسات الرسمية.

وأضاف كذلك أن «التدخلات الأجنبية رسخت هذه الانقسامات، حيث دعمت عوامل خارجية الفصائل المتنافسة، مما أبقى على توازن قوى هش. وأسهم تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر العام 2021 في استمرار حالة انعدام اليقين السياسي». 

وأكمل أن «التشكيلات المسلحة، على الرغم من تبعيتها اسميًا إلى سلطة الحكومة، إلا أنها تعمل وفق أجندات خاصة، وتهيمن على مساحات محلية وممرات الوصول. وأبرزت المناوشات العسكرية الأخيرة في طرابلس مدى هشاشة البيئة الأمنية في ليبيا».

وضع اقتصادي غير مستقر
ويظل الوضع الاقتصادي غير مستقر، حيث أثمرت الأزمة السياسية المطولة عن تداعيات اقتصادية وصفها المكتب الأممي بـ«المدمرة». وتأثر القطاع النفطي، وهو عصب الاقتصاد الليبي، بشكل خاص، مع الإغلاقات المتكررة والضرر الذي لحق بالبنية التحتية مما أدى إلى تقلب مستوى الإنتاج. 

كما أدى انعدام الاستقرار إلى انخفاض العائدات الحكومية، وحد من قدرة الدولية على توفير الخدمات العامة الأساسية. واعتبر التقييم الأممي أن قرار المصرف المركزي، في أبريل الماضي، خفض قيمة الدينار بنسبة 13.3% «انعكاسًا لانعدام الاستقرار الاقتصادي المستمر». 

وبلغ الدين العام حتى الآن 570 مليار دينار، مع توقعات بأن يتخطى 330 مليار دينار بنهاية العام الجاري بسبب غياب ميزانية موحدة.

وقد تأثرت الخدمات العامة بشدة بسبب الوضع الاقتصادي، مع تكرار انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وتدهور أنظمة إمدادات المياه، مما فاقم الوضع الإنساني. كما يتعرض قطاع الصحة لضغوط شديدة. وقد أدت هذه التحديات الاقتصادية والبنية التحتية إلى زيادة الفقر وعدم المساواة، مما أعاق تقدم البلاد نحو التنمية المستدامة.

خدمات عامة غير مؤهلة
وتحدث تقييم المكتب الأممي عن الخدمات العامة الفقيرة في ليبيا، وقال إنها غير مجهزة للتعامل مع الضغوط الديموغرافية. 

ففي مجال الصحة، أفاد 75% من المهاجرين بمحدودية أو انعدام فرص الحصول على الرعاية الصحية، مع تأثر النساء بشكل غير متناسب. وفي مجال التعليم، يقدر أن 43% من أطفال اللاجئين السودانيين لا يزالون خارج المدرسة بسبب عوائق قانونية أو مالية أو لوجستية.

كما تتعرض خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية لخطر شديد بسبب تدهور البنية التحتية، لا سيما في المناطق الشرقية والجنوبية. ويعمل العديد من المرافق دون أنظمة صرف صحي آمنة، وتزداد مصادر المياه تلوثًا، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.

هدوء حذر
اعتبر المكتب الأممي أن ليبيا في مرحلة من «الهدوء الحذر» مع استمرار الهشاشة، إذ يخلق مزيج الانقسام السياسي والصعوبات الاقتصادية والتوترات الاجتماعية مشهدًا معقدًا يستلزم اتباع نهج دقيق في التدخل الإنساني. 

وقال إن «معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وتعزيز الحكم الشامل، وبناء القدرة على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية والاجتماعية أمر ضروري لتحقيق السلام والتنمية المستدامين في ليبيا».