«تلسكوب جيمس ويب» يكشف النقاب عن أعمق خريطة للكون.. 800 ألف مجرة تعيد صياغة بداية الزمن.

بعد ساعات طويلة من الرصد المتواصل لبقعة صغيرة من السماء، كشف تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي عن أكثر الخرائط تفصيلًا للكون على الإطلاق، ضمن مشروع يُعرف باسم «حقل كوزموس ويب». وإذا كان الاسم مألوفًا، فربما يعود ذلك إلى صورة مذهلة نُشرت قبل شهر فقط، لكنها لم تكن سوى لمحة أولية عمّا كشفه العلماء الآن.
الخريطة الكاملة، التي أصبحت تفاعلية ومتاحة للجمهور، تتجاوز شهرة خريطة «الحقل العميق» التي التقطها تلسكوب «هابل» والتي أظهرت 10 آلاف مجرة فقط.
أما خريطة «كوزموس ويب» الجديدة، فتكشف عن ما يقرب من 800 ألف مجرة، ما يُبشّر ببداية عصر جديد لاكتشافات أعمق في تاريخ الكون.
وقالت الفيزيائية كيتلين كيسي من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، والتي تشارك في قيادة المشروع: «كان هدفنا بناء هذا الحقل العميق بمقياس فيزيائي يفوق كل ما جرى إنجازه سابقًا». وأضافت: «إذا كانت صورة حقل هابل العميق مطبوعة على ورقة بحجم A4، فإن صورتنا الجديدة ستكون بمساحة جدارية تبلغ 13 قدمًا × 13 قدمًا، مع الاحتفاظ بنفس العمق، وهو أمر مذهل حقًا».
نافذتنا إلى فجر الكون
جرى تصميم «جيمس ويب» خصيصًا لمراقبة ما يُعرف بـ«الفجر الكوني»، وهي الحقبة الأولى من عمر الكون، والتي تلت الانفجار العظيم مباشرةً منذ نحو 13.8 مليار سنة. هذه الفترة من التاريخ الكوني بعيدة جدًا وزمنها مظلم، حيث كانت المجرات تتشكل لتوها من الضباب الكوني البدائي.
وقد غطّت الصورة الجديدة من التلسكوب بقعة من السماء تعادل مساحة 7.5 أقمار كاملة، وتنظر إلى الوراء في الزمن حتى 13.5 مليار سنة، أي إلى اللحظة التي بدأ فيها الضباب الكوني في التبدد وظهرت أولى المجرات والنجوم.
– اكتشاف فلكي جديد.. هطول أمطار على كوكب خارج المجموعة الشمسية
– تلسكوب ويب يثبت نظرية قديمة: اكتشاف جليد الماء في نظام نجمي شاب
– تلسكوب «جيمس ويب» يلتقط صورة جديدة من المليار سنة الأولى للكون
الأمر المفاجئ ليس في كمية التفاصيل فحسب، بل في عدد المجرات المكتشفة، الذي يفوق التوقعات بعشرة أضعاف. تقول كيسي: «الانفجار العظيم وقع، ثم احتاجت المادة إلى وقت كي تنهار جاذبيًا وتتكوّن، ثم تشتعل النجوم.. هناك جدول زمني لذلك»، مشيرة إلى أن اكتشاف هذا العدد الكبير من المجرات المبكرة يضع علماء الكون في مأزق علمي.
ولم يقتصر الأمر على عدد المجرات، بل كشف التلسكوب عن ثقوب سوداء فائقة الكتلة لم يكن تلسكوب «هابل» قادرًا على رصدها، ما يزيد من حجم التحدي للنماذج الحالية لفهم كيفية نشوء هذه البنى المعقدة في مثل هذا الوقت المبكر.
واحدة من أهم الجوانب في هذا المشروع أن البيانات متاحة مجانًا للعامة. يمكن لأي شخص دخول الموقع التفاعلي لـ«كوزموس ويب» والتجول عبر الكون، زمنيًا ومكانيًا، حتى مشارف فجر الوجود.
قالت كيسي: «أفضل العلوم تجري عندما يفكر الجميع في نفس مجموعة البيانات من زوايا مختلفة. لا ينبغي أن يُعهد بفهم ألغاز الكون إلى مجموعة واحدة فقط».
يذكر أنه بالفعل إرسال أوراق بحثية عن النتائج إلى مجلتي «الفيزياء الفلكية» و«علم الفلك والفيزياء الفلكية»، فيما يتوقع أن تشكل هذه الخريطة العظيمة بداية نقاش علمي واسع حول كيفية نشوء المجرات، ومدى سرعة تعقيد الكون في مراحله الأولى.