أبوسنية: النزيف الخفي أكثر خطورة من الأسواق الموازية

أبوسنية: النزيف الخفي أكثر خطورة من الأسواق الموازية

قال الخبير الاقتصادي محمد أبوسنية إن الاقتصاد الليبي يتعرض لاستنزاف متواصل وخطير، في ظل صمت رسمي وإعلامي عن أبرز مصادر هذا الاستنزاف، والتي يرى أنها تفوق في خطورتها الاختلالات المألوفة مثل تفاوت سعر الصرف، وانتشار اقتصاد الظل، والانكشاف الخارجي، والاعتماد على النفط، والفساد الإداري والمالي.

وأوضح أبوسنية أن غالبية الخطاب الاقتصادي والسياسي والإعلامي انشغل بمواضيع مثل الاعتمادات المستندية والتحويلات والبطاقات، وسعر السوق السوداء ودعم الوقود، لكنه تجاهل استنزافًا موازٍ وغير مرخص للنقد الأجنبي، يتمثل في عمليات تهريب ممنهجة للسلع والموارد الليبية إلى دول الجوار، مشددًا على أن هذا النوع من الاستنزاف أشبه بـ«السوس الذي ينخر جسد الاقتصاد الليبي»، ويمثل التهديد الأكبر لاحتياطيات النقد الأجنبي، ويجب أن يكون محور السياسات الاقتصادية الإصلاحية.

تمويل اقتصادات دول الجوار بشكل غير مباشر
وأضاف أن الاقتصاد الليبي، الذي وُصف خلال سنوات النزاع بأنه «اقتصاد حرب»، لا يزال يعاني من تشوهات عميقة، ومن هدر داخلي عبر ميزانيات سنوية متضخمة تتجاوز الإمكانيات المتاحة، فضلًا عن تسرب موارده إلى الخارج عبر الحدود المفتوحة، حيث باتت ليبيا — بفعل الانقسام وعدم الاستقرار — تمول بشكل غير مباشر اقتصادات دول الجوار.

وأشار إلى أن هذه الدول تتلقى، عن طريق التهريب، النفط الخام ومشتقاته، والسلع الغذائية، والملابس، والمعدات الكهربائية، والذهب الخام، والنقد الأجنبي، والأدوية، والسجائر، بل وحتى الحيوانات الحية والمركبات، فضلًا عن استضافة أكثر من مليون مهاجر غير قانوني وعمالة أجنبية غير نظامية.

– أبوسنينة: شهادات المضاربة خطوة لتعزيز الثقة ودعم الدينار
– أبوسنينة: الاقتصاد الليبي مقبل على ركود تضخمي.. والضغوط ستتزايد على «المركزي»
– أبوسنينة: 8 مقترحات لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار

ولفت أبوسنية إلى أن ليبيا لا تنتج معظم ما يتم تهريبه منها، بل تستورده بالنقد الأجنبي من الخارج، ما يجعل عملية تهريبه استنزافًا مباشرًا لموارد الدولة من العملة الصعبة، مقدرا ما يجري تهريبه سنويًا من الوقود بنحو 30% من فاتورة المحروقات، وقيمة تهريب السجائر بـ500 مليون دولار سنويًا، في حين تتراوح قيمة تهريب الذهب الخام بين 500 مليون إلى 3 مليارات دولار، بينما تصل تحويلات العمالة الأجنبية غير النظامية إلى أكثر من 2.5 مليار دولار سنويًا، تجري كلها عبر السوق الموازية.

وأوضح أن تمويل هذا النزيف يجري إما من احتياطيات النقد الأجنبي المتراكمة لدى المصرف المركزي، أو من الإيرادات الجارية خلال فترات ارتفاع أسعار النفط، مضيفًا أن هذه العمليات تجري خارج أطر التجارة الرسمية، مما يؤدي إلى تآكل الاحتياطيات النقدية التي تعد خط الدفاع الأول عن سعر صرف الدينار الليبي.

تراجع احتياطي النقد الأجنبي في ليبيا
واستعرض أبوسنية أرقامًا من النشرة الإحصائية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي، تظهر تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 98.33 مليار دولار في عام 2010 إلى 72.57 مليار دولار في نهاية 2024، بنسبة انخفاض تقارب 26%، كما تراجع سعر صرف الدينار الرسمي من 0.74 دولار عام 2010 إلى 0.18 دولار في 2024، أي بنسبة انخفاض بلغت 75.6%.

وأكد أن هذا التراجع ناتج عن عجز مستمر في ميزان المدفوعات، واستنزاف ممنهج للعملة الصعبة، وسياسات اقتصادية غير مستدامة أدت إلى تقويض فرص النمو وتوسيع نطاق التشوهات الاقتصادية.

سياسات ضرورية لانقاذ الاقتصاد الليبي
وفي ختام حديثه، طرح أبوسنية مجموعة من السياسات التي يرى أنها ضرورية لوقف النزيف وإنقاذ الاقتصاد الوطني أبرزها: توحيد المؤسسات السيادية والسياسات العامة، وإنهاء الانقسام السياسي والأمني، وضرورة تقدير الاحتياجات الفعلية من الواردات وربطها بسياسة تجارية واضحة تنسق مع سياسة النقد الأجنبي، بالإضافة إلى فرض قيود جمركية على السلع غير الضرورية التي تستنزف العملة الصعبة وتُهرّب خارج الحدود، وتنظيم دخول العمالة الأجنبية، وضبط إجراءات تحويلاتها عبر قنوات رسمية، وتحمل الدولة مسؤوليتها في مكافحة التهريب وإحكام السيطرة على المنافذ الحدودية، وإصلاح سعر الصرف بما يكبح السوق الموازية ويدفع المستوردين نحو القنوات الرسمية، وإعادة هيكلة دعم الوقود تدريجيًا وضمن استراتيجية وطنية تراعي حماية المستهلك.