علي جمعة:أهم واجبات علماء الأزهر نقل الدين بصورة صحيحة للأجيال القادمة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن من أهم واجبات علماء الأزهر في هذا العصر هو نقل الدين بصورة صحيحة للأجيال القادمة، مشددًا على ضرورة امتلاك أدوات الفهم العميق للتراث الإسلامي كشرط أساسي لتحقيق هذه المهمة.
فهم الموروث الإسلامي
وأكد جمعة أن أول خطوة مطلوبة للتعامل مع الموروث الإسلامي هي “الفهم”، مشيرًا إلى أن الكثير من الباحثين يبدؤون في محاولة تطبيق التراث أو نقده قبل فهمه، وهو ما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة، أو حتى مغلوطة.
وأضاف: “لا يمكنني أن أطبق أو أنتقد موروثًا لم أفهمه بعد، ولا بد من تحديد الهدف والخطوات تمهيدًا للاستفادة الصحيحة”، وأوضح أن التراث يتكوّن من مكونين رئيسيين: نتاج فكري وواقع تاريخي. أما النتاج الفكري فيتمثل في تفاعل العلماء مع النصّين المقدّسين (القرآن والسُّنة) وإنتاجهم من خلاله علومًا ومناهج وأفكارًا، فيما يتجسد الواقع في خمسة عوالم: الأشياء، الأشخاص، الرموز، الأفكار، والأحداث.
وأشار جمعة إلى أن قراءة النصوص الإسلامية قديماً أفرزت علومًا خادمة لهذا النص، كعلم النحو والبلاغة والتفسير والفقه، وكلها نشأت من محاولة المسلمين فهم النص والتفاعل معه، مؤكدًا أن محور الحضارة الإسلامية كان دائمًا هو النص القرآني والنبوي.
ونوّه إلى أن التعامل مع التراث لا يعني الاكتفاء بمحاكاة ما وصلنا من السابقين، بل هو تفاعل حيّ يقتضي التجريد ثم الاستنباط، أي استخراج القواعد والمناهج التي تساعد في تطوير العلم واستكمال المسيرة.
وحول فهم التراث، شدّد الدكتور علي جمعة على ضرورة الالتزام بخمسة ضوابط رئيسية للفهم الصحيح، وهي:
1. اللغة العربية باعتبارها الوعاء الأصيل لهذا التراث.
2. احترام الإجماع الفقهي وعدم تجاوزه.
3. مراعاة المقاصد الكلية للشريعة (حفظ الدين، النفس، العقل، العرض، والمال).
4. التقيّد بالنموذج المعرفي الإسلامي (العقيدة).
5. الالتزام بالقواعد الفقهية العامة مثل “لا ضرر ولا ضرار”.
وأكد أن المهم في دراسة التراث ليس فقط الموضوعات التي تناولها القدماء، بل الأهم هو مناهجهم في التفكير، وكيفية تعاملهم مع واقعهم بأساليب علمية ومنطقية. ولفت إلى أن كثيرًا من الأسس التي قامت عليها مناهج البحث العلمي الغربي، مثلما فعل روجر بيكون، مأخوذة من علم أصول الفقه كما صاغه علماء مسلمون مثل الرازي والبيضاوي.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن مطالعة التراث هي الأساس الذي يقوم عليه المنهج الأزهري، وهو ما يجب أن يكون الإطار المرجعي لكل طالب علم يسعى للتفقه في الدين.