عامان من النزاع.. النظامُ الصحي في السودان على شفا الانهيار مع اقتراب موسم الأمطار

اليوم- مرَّ عامان على اندلاع النزاع في السودان، وها هو النظام الصحي في البلاد قد وصل إلى نقطة الانهيار. ومع اقتراب موسم الأمطار، تتفاقم المخاطرُ الصحية تفاقمًا شديدًا إذ تواجه البلاد خطرًا داهمًا من فاشيات الأمراض، وتصاعد معدلات سوء التغذية، وانهيار الخدمات الصحية، في وقتٍ قُيِّدت فيه إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية بشكلٍ خطيرٍ ويتناقص تمويل قطاع الصحة إلى مستويات مقلقة.
واليوم، أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ومنهم 20 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الخدمات الصحية. ومع ذلك فإن الحصول على الرعاية والمساعدات صار أمرًا شبه مستحيل بالنسبة إلى الملايين منهم بسبب انعدام الأمن والنقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة والإمدادات الطبية وتكرار الهجمات على المرافق الصحية والعاملين الصحيين. ومن ثَم، خرجت المستشفيات من الخدمة أو أنها تعمل بشكل جزئي فقط. ومحصلة هذه الظروف الصعبة أن الناس يفقدون حياتهم بسبب الأمراض وسوء التغذية والإصابات المرتبطة بالنزاعات والنقص المستمر في الأدوية الأساسية واللقاحات والخدمات المُنقِذة للحياة.
وقالت الدكتورة حنان بلخي، مديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: “إن هذه الأزمة تمزق النظام الصحي في السودان؛ فلقد نفدت الإمدادات من المستشفيات، والعاملون الصحيون معرضون للمخاطر، والأمراض منتشرة في مناطق يمكننا بصعوبة شديدة الوصول إليها. ومع حلول موسم الأمطار، ستتضاعف المخاطرُ الصحية وستزداد صعوبة الوصول إلى أولئك المحتاجين للمساعدة. لذا، فإننا بحاجة إلى تأمين وصول سريع وتمويل عاجل لكي نقدم الرعاية الأساسية لملايين الأشخاص المعرضين للخطر.
إن عواقب هذه الأوضاع الصعبة واضحة بالفعل؛ فأكثر من ثلثي ولايات السودان تجابه 3 فاشيات أو أكثر من الأمراض في وقتٍ واحدٍ، ولا سيما الكوليرا وحمى الضنك والحصبة والملاريا، الأمر الذي يُعزى إلى انهيار قدرات الترصد والتطعيم وأنظمة المياه النظيفة ومكافحة نواقل الأمراض. ومع تعطل حملات التمنيع، يموت الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها.
وعلاوة على ذلك، فإن سوء التغذية آخذ في التفاقم بشدة، ولا سيما بين صغار الأطفال والأمهات. وقد تم تأكيد الوصول إلى حالة المجاعة في 5 مناطق على الأقل، وفي ظل التوقعات بامتداد المجاعة إلى 17 منطقة تضم 24.6 مليون شخص، فإن نصف السكان قد يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2025، ومنهم 770000 طفل دون سن الخامسة، حسب التقديرات، سيقاسون سوء التغذية الحاد الوخيم.
ومنذ نيسان/ أبريل 2023، تحققت المنظمة من وقوع 156 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية ما تسبب في مقتل 318 شخصًا وإصابة 273 آخرين. وهذه الهجمات انتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي وتقوض ما تبقى من قدرات متبقية على تقديم الرعاية الصحية.
وعلى الرغم من هذه القيود غير المسبوقة، تبذل المنظمةُ وشركاؤها أقصى الجهود للاضطلاع بدورها. ومنذ بدء النزاع، وصلت الخدمات الصحية المدعومة من المنظمة إلى أكثر من مليون مريض، وساعدت على استمرار عمل 52 مستشفى في 18 ولاية في السودان. وجرى تطعيم أكثر من 10 ملايين طفل للحماية من الحصبة والحصبة الألمانية، و11.5 مليون طفل ضد شلل الأطفال، وقرابة 12.8 مليون شخص ضد الكوليرا.
وعالجت مراكز الإسعاف التي تدعمها المنظمة حوالي 50 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم المصحوب بمضاعفات طبية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وبدعمٍ من منظمة الصحة العالمية، دشَّن السودان لأول مرة حملات تطعيم بلقاح الملاريا استهدفت 148 ألف طفل في ولايتَي الغضارف والنيل الأزرق على مدار سنة واحدة، وحصل أكثر من 35000 طفل منهم على التطعيم خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحملة.
وإضافة إلى ذلك، وسَّعت المنظمةُ نطاق دعمها المقدم للتدبير العلاجي السريري وغيره من التدخلات المنُقِذة للحياة ودعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي للناجيات من العنف القائم على نوع الجنس والعنف الجنسي، ولا سيما في صفوف النازحين.
وقد تم تسليم أكثر من 1500 طن متري من الإمدادات الطبية إلى ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية، وخاصة بعمليات عابرة للحدود من تشاد وجنوب السودان.
وبالإضافة إلى المساعدات الإنسانية، تتعاون المنظمةُ مع وزارة الصحة في السودان لأجل دعم التنمية الصحية طويلة الأمد، وفي هذا الإطار، تم مؤخرًا بدء مشروع المساعدة الصحية والاستجابة للطوارئ في السودان (SHARE)، وهو شراكة استراتيجية تجمع بين منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ووزارة الصحة في السودان واليونيسيف. والهدف من هذا المشروع هو تلبية الاحتياجات العاجلة والإنمائية من خلال إعادة تأهيل المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية وتقديم خدمات الصحة والتغذية الأساسية وتعزيز عمل النظام الصحي وتأديته لمهامه.
لكن حجم الاحتياجات لا يزال يفوق إمكانيات الاستجابة بكثير. وفي عام 2025، وضعت المنظمةُ خطة استجابة بقيمة 135 مليون دولار أمريكي، ولكن لم يُمَوَّل منها سوى خُمسها، وهذا جزءٌ ضئيل من الاحتياجات المطلوبة على وجه السرعة.
وأضافت الدكتورة حنان بلخي: “إن العاملين الصحيين الشجعان في السودان يحققون المستحيل في ظروف شبه مستحيلة ودون أن يتوفر لهم ما يحتاجونه. فهم بحاجة أولاً إلى ضمان الحماية، والوصول الآمن، والأدوات اللازمة لإنقاذ الأرواح. ولكن الوقت ينفد”.
إن منظمة الصحة العالمية تدعو جميع أطراف الصراع في السودان إلى المسارعة إلى ضمان الوصول المستدام للمساعدات الإنسانية دون عوائق واحترام القانون الإنساني الدولي. ونشدد مرة أخرى على أن الرعاية الصحية حقٌّ من حقوق الإنسان، ولكنها أصبحت في السودان حاليًا شريان حياة تتهدده المخاطرُ.