فستان محمد رمضان!

فستان محمد رمضان!

حتى نهاية الستينات من القرن الماضي، كان عبد الحليم حافظ، مثله مثل كل المطربين والنجوم في زمانه، يرتدي البدلة الرسمية، غالبًا سوداء، في كل حفلاته.. وكذلك تسريحة شعره كانت هي هي منذ أن ظهر في بداية الخمسينات!
ومع بداية السبعينيات، ظهر مطربون جُدد مثل أحمد عدوية وهاني شاكر، ومحمد منير وعلي الحجار.. وكان لهؤلاء طريقة مختلفة في الغناء، وكذلك ملابسهم مختلفة وعلى الموضة.. واضطر عبد الحليم حافظ أن يجاريهم، سواء في نوعية الأغاني وكذلك في الملابس، خاصة مع ظهور هاني شاكر الذي اكتسب جماهيرية كبيرة في فترة قليلة، وتحديدًا بين الفتيات، فاضطر عبد الحليم إلى إعادة تقديم أغانيه القصيرة القديمة في الحفلات.. وكانت النقلة الأكبر مع أغنيتي “حاول تفتكرني” و”أي دمعة حزن لا”.. وفيهما رأينا عبد الحليم لأول مرة تقريبًا على الموضة بالبدل الملونة والشعر المنسدل الطويل وبارتداء “الانسيالات” في يديه والسلاسل الذهبية!
ولم يواجه عبد الحليم حافظ أي هجوم في حينها بسبب نوع الأغاني أو الملابس، لأننا في النهاية نتعامل مع فنان يغني ويمثل وواحد من كبار النجوم ولديه معجبون ومعجبات بالملايين في مصر والعالم العربي.. وكان لابد وقتها أن يكون على الموضة وحتى لا يكون “دقة قديمة” بينما المطربون الجدد أصبحوا يغنّون بالقميص والبنطلون والتيشرتات ويتنططون ويرقصون على المسرح!
والهجوم على الفنان محمد رمضان بسبب ارتدائه ما يشبه بدلة الرقص في مهرجان “كوتشيلا” بأمريكا فيه الكثير من تاريخ التربص و”التلكيك” لما يقدمه رمضان من أغاني، أو سيارات وحالات التباهي بأنه “نمبر ون”، ولأنه أعلى أجر بين الممثلين، وكذلك بما يمتلكه من ملابس وعقارات أو طائرات حتى ولو كان معظمها ليس من أملاكه، وللأسف انضم لفرق المهاجمين وزير أوقاف سابق، ليضع البنزين على النار، ودخل في مجال ليس مجاله، ومن الطبيعي ألا يرضى “شيخ” أو “أزهري” بما يقدمه أي مطرب أو ممثل أو أي فنان.. وعمومًا الناس تنسى أن “محمد رمضان” فنان ونجم وليس شخصًا عاديًا ولا يجب عليه أن يرتدي مثلما نرتدي في الشارع أو الجامع أو الجامعة.. فهو يظهر على المسرح ويغني ويرقص ويتنطط، وفوق كل ذلك استعراضه كان في أمريكا وبين عشرات المطربين العالميين!
كما أن السترة الذهبية التي كان يرتديها رمضان مصنوعة من عملات معدنية مصرية ومستوحاة من الأزياء الفرعونية، وكان يرتدي مثلها الملوك في مصر القديمة، وهي من تصميم مصممة الأزياء المصرية العالمية فريدة تمراز والبدلة ليست مجرد زي استعراضي، كما قالت تمراز بل هي قطعة فنية ذات طابع مصري أصيل، وأنها حرصت على أن يجسد التصميم ملامح من الهوية المصرية القديمة من خلال رموز فرعونية وتطريزات يدوية دقيقة.. وأعتقد أن نوايا رمضان والمصممة كانت طيبة ووطنية وأرادا أن يظهر بطابع مصري أمام العالم.. وربما كان ارتدائها بدون أي شيء جعلها أقرب إلى بدلة الرقص!
وفي النهاية رمضان لا هو ولا عشرة مثله يستطيعون “تشويه صورة مصر” أو “إهانة الهوية”.. كما ردد المهاجمون ذلك لتبرير هجومهم.. والحقيقة أن الذي يشوه صورة مصر هي القمامة في الشوارع، والسرقة والنصب والتحرش بالسياح، وفوضى المرور والفساد والفقر وانتشار الأمراض والجهل والبطالة.. كل ذلك يمثل إهانة حقيقية ومريرة لمصر يا وزير الأوقاف وتستحق أن تناقشها وتهاجمها وتحث الناس على الأمانة والصدق في أعمالهم وسلوكياتهم.. وليست بدلة محمد رمضان!