لن ترتاح يا “كوهين” 1″

لن ترتاح يا “كوهين” 1″

لم أتعوَّدْ أنْ أكتبَ عن التافهينَ والساقطينَ في المجتمعِ مهما فعلوا؛ لأنهم ببساطةٍ لا وزنَ لهم ولا قيمةَ ولا يستحقونَ الوقتَ الذي يستغرقهُ الكاتبُ في الحديثِ عنهم، ولا ينبغي أنْ يُلوِّثَ الكاتبُ قلمَهُ بذكرهم ولا أنْ يُؤذيَ مشاعرَ القرّاءِ عندَ تناولِ الموضوعاتِ المتعلقةِ بهم.

المبدأُ عندي هو: لا ينبغي للكاتبِ أنْ يقتربَ من دائرةِ الوَحَلِ لأنها ببساطةٍ إلى زوالٍ، وسيعرفُ بعدَ فترةٍ أنهُ كانَ يُضيِّعُ وقتَهُ في الزَّبَدِ الذي يذهبُ جُفاءً ويتركُ ما ينفعُ الناسَ.

هذا مبدأٌ أؤمنُ بهِ وأسيرُ عليهِ مهما فعلَ هؤلاءِ الساقطونَ ومنْ سارَ على نهجِهم.

هذهِ قناعتي التي ما كنتُ لأحيدَ عنها لولا تعقيبُ الإعلاميِّ والباحثِ الإسرائيليِّ إيدي كوهين على ظهورِ مُغنٍّ مصريٍّ في حفلٍ ماجنٍ بالولاياتِ المتحدةِ وهو يرتدي بدلةَ رقصٍ نسائيةٍ.

كانَ لزامًا عليَّ أنْ أكتبَ وأردَّ على كوهين لعدةِ أسبابٍ.. أولها أنهُ لم يكتفِ بتغريدةٍ واحدةٍ ولكنهُ كتبَ عدةَ تغريداتٍ متتاليةٍ، وعندما تناولَ الموضوعَ لم يتحدثْ عن المغني الساقطِ هذا.. بلْ تحدثَ عن مصرَ والجيلِ الجديدِ فيها.. أما السببُ الثاني فهو أنَّ هذا المغني الساقطَ لم يكتفِ بما فعلَهُ على أساسِ أنهُ تصرفٌ شخصيٌّ بلْ رفعَ علمَ مصرَ وهو يرقصُ بملابسَ راقصةٍ يبدو فيها من أولِ وهلةٍ أنهُ – أو أنها – راقصةٌ زنجيةٌ دميمةُ “الخَلْقِ” – يرقصُ أو ترقصُ – وسطَ نفرٍ من الغجرِ.. أما السببُ الثالثُ فهو أنَّ آلافَ المصريينَ انتفضوا للردِّ على كوهين وأمطروهُ بكلماتٍ كالرصاصِ استقرّتْ في جسدِهِ المتبلِّدِ الذي ماتتْ فيهِ المشاعرُ والأحاسيسُ، فكانَ لزامًا أنْ أنضمَّ إليهم في الردِّ على كوهينَ هذا.

في البدايةِ لا بدَّ أنْ نربطَ بينَ بدلةِ الرقصِ الحريميِّ التي ظهرَ بها هذا المغني الساقطُ وبينَ الهدفِ الذي من أجلِهِ تمَّ تنظيمُ هذا الحفلِ الماجنِ، وبينَ ظهورِ علمِ مصرَ في هذا الوسطِ المنحطِّ.. ارتداءُ المغني

لبدلةٍ راقصةٍ جاءَ مواكبًا للهدفِ الذي من أجلِهِ تمَّ تنظيمُ الحفلِ وهو طمسُ الهويةِ الجنسيةِ والترويجُ لها.. فهذا المهرجانُ

-بحسبِ الموقعِ الرسميِّ لهُ-، هو منصةٌ للتعبيرِ عمّا يصفُهُ بـ«التنوعِ الثقافيِّ والحريةِ الفنيةِ»، وقد شهدَ خلالَ السنواتِ الأخيرةِ اهتمامًا متزايدًا بتمثيلِ مثلييِّ الجنسِ، ويقولُ الموقعُ الرسميُّ للمهرجانِ: نُرحِّبُ بـ«الذينَ تختلفُ توجهاتُهم الجنسيةُ أو هوياتُهم الجندريةُ عن التصنيفاتِ التقليديةِ»، ويشيرُ الموقعُ الرسميُّ أيضًا إلى أنهُ يضمُّ المثليينَ والمثلياتِ ومزدوجي التوجهِ الجنسيِّ والمتحولينَ جنسيًّا وغيرهم ممنْ يُعبِّرونَ عن أنفسِهم بطرقٍ غيرِ نمطيةٍ».. إلى هنا ظهرَ جليًّا الربطُ بينَ مظهرِ المشاركينَ ومن بينهم المغني الساقطُ هذا وبينَ ما يدعو إليهِ هذا الحفلُ.. لكنْ لماذا علمُ مصرَ ومن الذي طلبَ من المغني الساقطِ أنْ يرفعَ العلمَ الطاهرَ في هذا المكانِ؟ هذا سؤالٌ لا بدَّ أنْ نصلَ إلى إجابةٍ واضحةٍ لهُ، وهنا سندركُ أنَّ الهدفَ لم يكنْ هذا المغني الساقطَ وإنما كانَ الهدفُ علمَ مصرَ ومنْ بعدِهِ تغريداتُ كوهينَ التي قالَ فيها: «أرتاحُ عندما أرى الجيلَ المصريَّ الجديدَ» ويقصدُ جيلَ هذا المغني الساقطِ.. وهنا أقولُ لهُ.. أبدًا لن ترتاحَ يا كوهين وإلى المقالِ القادمِ إنْ شاءَ اللهُ.