تحديث الاستثمار والتصدير أنفع من زيادة أسعار الوقود

يبدو الحديث عن الأوضاع الاقتصادية مطروحاً بشدة كلما شعر المواطن بمعاناةٍ تُدلُّ على سوء الأوضاع مثل موجات التضخم أو حالات الكساد، لذا لم أعد أستغرب أن يسألني كُلَّ مَنْ ألتقيهم عن تصوري للاقتصاد بعد زيادة أسعار الوقود في الأسبوع الماضي.

يكرر البعض القول بأن دعم الطاقة لا يذهب مباشرةً إلى الطبقات الفقيرة، لكن ما ينبغي تأكيدُهُ هو أن كل تحريكٍ لأسعار الطاقة مثل سوابقِهِ، يؤثر بشكلٍ واضحٍ وكبيرٍ على تكلفة النقل، ومن ثم في أسعار كثيرٍ من السلع الأساسية وغير الأساسية، لذا يواصل التضخم ارتفاعَهُ.

وأنا أدركُ بُحكم رحلات العمل الخارجية بأن هناك أزماتٍ عالمية، وأن المؤثرات الجارية على الساحة الدولية تلعب دوراً كبيراً في اقتصاديات كافة الدول، لكنني أرى أيضاً أن الحكومة تستسهلُ الحلول دائماً وتتعامل بمنطق الجباية لحل أي أزمةٍ تواجهها، فتَلجأُ إلى تقليص فاتورةِ الدعم عن مجموعاتٍ معينةٍ من السلع، وهو ما يؤثر بشكلٍ كبيرٍ في الأسعار والأوضاع بشكلٍ عامٍ ويزيدُ من مؤشرات التضخم.

في شهر فبراير الماضي استبشرنا خيراً بتراجع معدل التضخم إلى 12.8 في المئةِ، رغم أن هذا الرقم مرتفعٌ نسبياً، لكن الشهر التالي عاد المؤشر مرةً أخرى إلى الارتفاع ليبلغ 13.6 في المئةِ، وسيواصل بنهاية أبريل الحالي الارتفاع تأثُّراً بزيادة أسعار الوقود. وهذا بلا شكٍّ يعني أن أحداً في الحكومة لا يحاولُ أن يفكر خارج الطرق التقليدية، ليُقدِّمَ بدائلَ لخفض عجزِ الموازنةِ دون أن يساهم في زيادة التضخم ولا يمس المواطن البسيط.

إن الحل السهل لمواجهة أي عجزٍ هو إلزامُ المواطنين بسدادِهِ، لكن الحلول الحقيقيةُ التي تستلزمُ إصلاحاً لبنيةِ الاستثمار والصادراتِ وتساهم في زيادة عائداتِهما تبقى دائماً مؤجلةً، وهكذا تصدمنا الحكومة كل شهورٍ قليلةٍ بزيادة أسعار الوقود رغم ما يحمله ذلك الإجراء من معاناةٍ وضغوطٍ معيشيةٍ على شرائح واسعةٍ من المجتمع.

أقول ذلك وأمامي تقريران لمؤسستين دوليتين حول النظرة المستقبلية لاقتصاد مصر، والتي لا تتغير لتبشِّرُ الناس بأن الإصلاحاتِ التي يدفعون ثمنها كل بضعة أشهرٍ ستؤتي ثمارها قريباً. أما التقرير الأولُ لمؤسسة ستاندردَ آند بورزَ، فيشير إلى أن مصر ما زالت من أكثر الدولِ في العالمِ التي تلتهمُ فيها فوائدُ الديونِ الجانب الأكبر من الإيراداتِ.

وقالت الوكالة إنه يمكن رفع تصنيف مصر الائتمانيَّ إذا تحسن صافي الدين الحكوميِّ أو الخارجيِّ لمصر بوتيرةٍ أسرعَ من المتوقعِ حالياً، وهو ما يستلزمُ تحقيق ارتفاعاً كبيراً في الاستثمار الأجنبيِّ المباشرِ، وتحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ كبيرٍ. وتوقعتْ ستاندردَ آند بورزَ تراجعَ الدين العام في مصر إلى 84% من الناتج المحليِّ بنهاية العامِ الحاليِّ ليصلَ إلى 82.9% بنهاية العامِ الماليِّ المقبلِ.

ويكررُ التقرير الثاني وهو لوكالة فيتشَ التحذيرَ من خطرِ الدين العامِ، وإنْ كان يتوقعُ أن ينخفضَ إلى 80.4 في المئةِ بنهاية السنةِ الماليةِ القادمةِ، لكنه يشيرُ بوضوحٍ إلى أن هذا الدين أكبرُ كثيراً من الدين العامِّ المفترضِ للمتوسط العامِّ للدولِ والذي يبلغُ 50 في المئةِ.

ويعني ذلك أن الارتفاعَ الكبيرَ في الديونِ الخارجيةِ والمحليةِ يمثلُ أخطرَ تحدياتِ الاقتصادِ، ويكفي أنْ نشيرَ أن مديونياتُ الهيئة العامةِ للبترولِ تجاوزتْ 250 مليارَ دولارٍ أمريكيٍّ، بعيداً عن الديونِ الخارجيةِ ولذلك فإن هناك حاجةً ماسةً لتقليص الاستدانةِ من الخارج خلال الفترةِ القادمةِ، كما أن هناك ضرورةً قصوى لجذب استثماراتٍ أجنبيةٍ مباشرةٍ ضخمةٍ ومتنوعةٍ. في الوقت نفسه يجب تجنب الحلول الميسرة التي تُحمِّلُ المواطنين البسطاء من مختلف الفئاتِ مسئوليةَ أعباءِ الديونِ وفوائدِها التي لا تنتهي.

وسلامٌ على الأمة المصرية