بدون حيوانات أفضل

فى الأسبوع الماضى، تناولت هنا فى زاويتى هذا الحادث المفجع الذى خلع القلوب فى اليوم الثانى للعيد، وهو حادث عقر أنثى النمر ذراع أحد العاملين بالسيرك. وأجريت مقارنةً بين الحادث وأثره على نفسية ضحية النمر، والذى كان يشعر بالضياع والحسرة بعد فقده لذراعه، وأنه غير مؤمن عليه، وبين مشهد زيارة المحافظ ومساعديه للعامل بسطاويسى وتقديمه عقد عمل له وبصمه على العقد.
وجلس المحافظ الإنسان بجوار العامل المصاب على سريره، وأعطاه مساعدةً ماليةً كبيرةً بالنسبة للعامل الذى تبدلت ملامح وجهه، وجرى الدم فى عروقه، وتهللت أساريره هو وأسرته. ولولا العناية الإلهية لالتهمت النمرة ذراعه الثانية أيضًا؛ فهذا الحادث كان مباغتًا ومفاجئًا وأفزع الجموع بصفة عامة، وخلع القلوب وأثار الرعب فى نفوس رواد السيرك الذين كانوا على مقربةٍ تامةٍ من القفص، والذى كان بداخله الأسود والنمور، وكان العامل بخارج القفص.
وقد شاهد العالم الصراخ من الكبار والصغار أثناء انقضاض النمر على ذراع العامل فى مشهدٍ يحبس الأنفاس، والذى تعالت معه أصوات على منصات التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام تطالب بوقف وإلغاء فقرات الحيوانات الوحشية فى السيرك؛ فقد أعاد هذا الحادث إلى الأذهان الحادثَ الذى وقع فى عام 2002، عندما تعرض عامل يدعى سليمان، وكان يعمل سايسًا فى السيرك القومى، لهجومٍ من نمر، وذلك عندما كان يسير فوق الممشى المخصص لسير العمال على أقفاص الحيوانات، فأمسك النمر بساقه وجذبها سريعًا، وسقط سليمان من فوق الممشى، والتهم النمر ساقه، وقرر الأطباء بتر الجزء المتبقى من الساق، وعاش سليمان عاجزًا عن الحركة بعد ذلك. فلم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه؛ فقد سبقته حوادث كثيرةٌ من هذا القبيل؛ فقد كانت أولى تلك الحوادث من عائلة الحلو، والتى اشتهرت بترويض الحيوانات المفترسة، خصوصًا الأسود، وقدمت عروضًا قويةً، لكن دفع بعض أبنائها حياتهم ثمنًا لهذه المهنة الخطرة، والذين كان أولهم الأب محمد الحلو الكبير، وكاد البعض الآخر أن يلحق بهم لولا لطف الله.
فقد كان أول حادث هجومٍ لأسدٍ على أبناء عائلة الحلو فى السبعينيات، وكان من نصيب الجد الأكبر محمد الحلو، عندما عاقب أسده وقام بضربه أثناء البروفات وقبل الفقرة مباشرةً نتيجة التقصير، ومع بداية الفقرة انتقم الأسد وهجم على الحلو فور أن أدار له ظهره، ولم يستطع أحد إنقاذه، فتوفى بعد نقله للمستشفى بأيام. والمثير فى الأمر أن الأسد القاتل حزن بشدةٍ لوفاة مدربه، وامتنع عن الطعام وظل ينهش فى جسده، حتى مات بعد وفاة الحلو بأسبوع. كما تعرضت ابنته محاسن الحلو لهجومٍ من نمرٍ أثناء البروفات، وكادت تسقط على الأرض ويلتهمها النمر، لكنها استعادت توازنها فورًا وسيطرت عليه بضربات سوطها ليرتدع ويلتزم بتعليماتها. كما التهم أسدٌ آخر شابًا يدعى أحمد سليمان، 16 عامًا، كان يعمل فى السيرك ووظيفته وضع الماء والطعام فى أقفاص الأسود، والتهمه الأسد حتى قبل أن يصرخ، ولم يتبق من الشاب سوى بقايا ملابسه الممزقة. فيما تعرض ممدوح الحلو، أحد أفراد العائلة، لهجومٍ شرسٍ من أسدٍ أثناء تقديم عرضٍ بالعريش فى 2001، ونجا من الموت بعد أن تمكن من إطلاق النار على الأسد أثناء مهاجمته له.
كما تعرض مدحت كوتة، أحد أبناء العائلة، لموقفٍ كاد أن يفقد فيه حياته أثناء تقديم فقرته بالسيرك عام 2014، سبب الهجوم يرجع لغيرة أسدٍ إفريقى من أسدٍ روسى، أدى فى النهاية لاشتباكهما، وحاول كوتة فض المشاجرة بينهما، لكن الأسد الإفريقى هجم عليه بسبب خوفه، ففقد كوتة توازنه وسقط على الأرض وهجمت عليه الأسود بشكلٍ جماعى وتم إنقاذه. كما فوجئ رواد سيرك الحلو بمدينة طنطا بدلتا مصر بأسدٍ ضخمٍ يهجم بقسوةٍ على مدربته فاتن الحلو أثناء قيامها بالرقص على أغنية بشرة خير للمطرب حسين الجسمى، وكاد يلتهمها لولا أن العناية الإلهية أنقذتها، وغير ذلك كثير.
وأمام تلك الحوادث، فقد نُشر حوارٌ فى 2022 منسوب للدكتورة دينا ذو الفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان والحياة البرية فى مصر، حيث قالت إن دول العالم تتجه إلى تجريم استخدام الحيوانات البرية فى السيرك، لما يمثله هذا الأمر من انتهاكٍ شديدٍ لحقوق الحيوان. والعالم كله يشجع فنون السيرك التى تعتمد على الأكروبات أو العروض بلا حيوانات، ووجود فقرات مثل الأسود أمرٌ لا يمت بصلةٍ للوعى البيئى أو الثقافي؛ لأن مثل هذه الفقرات عفا عليها الزمن. فماذا سيستفيد الجمهور من مشاهدة أسدٍ يقوم بأعمال أكروبات ويقفز بين النار أو يحيى الجمهور أو غيرها من الأمور، أو ما هى الرسالة الثقافية المقصودة من وراء ذلك؟ مشيرةً إلى أن انتهاك حقوق الحيوان ليس فى تدريبه وتشغيله فى السيرك فقط، وإنما فى إقامته وسط قفصٍ حديديٍ فى مساحةٍ محدودةٍ، وهذا بمثابة تعذيبٍ له، وللحديث بقية.