سفريات الوزراء

قضية ارتفاع الأسعار شغلت المصريين هذه الأيام، وألهبت مشاعرهم خاصة بعد زيادة أسعار الوقود وما تلاها من زيادة فى كل شىء تقريباً. وتم رفع أسعار الخدمات الحكومية. الأزمة بين وزارة العدل والمحامين بعد زيادة أسعار إجراءات إقامة القضايا واستخراج الأوراق بصورة مبالغ فيها، وتنتهك الحق فى التقاضى وتهدد منظومة العدالة ماثلة الآن وتزداد كل يوم. وسوف تعيدنا إلى عصر القضاء العرفى مرة أخرى، لأن تكاليفه ستكون أقل بكل المقاييس.
الحكومة لا تجد حرجاً فى زيادة الأسعار، ولا تجد خوفاً من فرض رسوم وضرائب على المواطنين، بداية من ضرائب الإنترنت والمحمول حتى التليفونات القادمة من الخارج، بالإضافة إلى الأوراق الثبوتية مثل شهادات الميلاد والبطاقات والرخص وغيرها من أوراق.
والحكومة تستسهل فكرة فرض الضرائب والرسوم وزيادة قيمتها، وكذلك تنفيذ تعليمات صندوق النقد برفع الدعم عن كل السلع الأساسية تحت زعم الإصلاح الاقتصادى. وكنت أتمنى أن تنظر الحكومة نظرة أخرى، وأن تفكر فى طرق أخرى غير جيوب الغلابة من الشعب، وأن تضرب مثالاً حياً يبدأ بنفسها. فالبذخ الحكومى ظاهرة تستفز الناس. سفريات الوزراء عرض مستمر، وكأن الوزراء حصلوا على المنصب للفسحة على حساب الشعب، فهذه السفريات التى تتم أسبوعياً لم نر منها أى عائد على المواطن، وكان الوزراء يتنافسون على من يسافر أكثر.
والوزير لا يسافر بمفرده، لكن معه جيش من الموظفين المساعدين والمصورين والمتحدث الرسمى والمديرين، وهؤلاء يحصلون على بدل سفر بالدولار والإقامة فى أفخم الفنادق وأغلاها. وهناك وزير سافر إلى آخر بلاد العالم لتكريمه، وآخر ذهب ليشارك فى مؤتمر لا قيمة له، وكان يمكن أن يحضره ملحق فى السفارة. والأمثلة كثيرة على سفريات لا قيمة لها. ناهيك عن مواكب الوزراء المستفزة للناس فى الشوارع وعدد السيارات فى كل موكب.
الحكومة مطالبة بأن تعلن عن خطة واضحة لترشيد إنفاقها، وألا يكون سفر الوزير إلا للضرورة القصوى، وأن يكون وراء الرحلة عائد مباشر للدولة، وأن تكون أقل فى عدد الأيام، وعليها أن توقف مظاهر البذخ التى تجرى كل يوم فى الاجتماعات والمؤتمرات والحفلات والتكريمات وخلافه من مظاهر تشير إلى أننا دولة وصلنا لمرحلة من النمو والرفاهية تفوق سويسرا، وليست دولة مدينة وترهن أصولها.
الحكومة عليها أن تخفض عدد السيارات التى تمتلكها كل وزارة، وتوقف شراء السيارات الجديدة، وأن يحدد للوزير سيارتان فقط لتنقلاته توفيراً فى الوقود أولاً بعد رفع أسعاره، وأن تبيع السيارات الزائدة والأقدم إلى المواطنين فى مزادات علنية، ويخصص ريعها لبناء مدارس جديدة فى المناطق المحرومة أو التى بها كثافة طلابية عالية.
حان وقت أن تبدأ الحكومة بنفسها حتى يصدقها الناس وتعود حالة الثقة بينهما بترشيد النفقات وشد الحزام على وزرائها وكبار موظفيها، وأن تلزم كل وزير أن يعلن نتائج زياراته الخارجية للناس، وما هو العائد على مصر من ورائها؟ وماذا سنستفيد منها؟