قيمتها تقدر بـ6 مليارات جنيه :الأدوية منتهية الصلاحية.. جريمة فى حق المواطن!

قيمتها تقدر بـ6 مليارات جنيه :الأدوية منتهية الصلاحية.. جريمة فى حق المواطن!

الإنترنت والأسواق الشعبية بيئة خصبة لتجارة الموت 
هيئة الدواء تقرر سحب الأدوية وإلزام الشركات باستلامها من الصيدليات
عنان: الدواء له تاريخان للصلاحية.. وسلامة الحفظ شرط أساسى
عبدالله: هذه الظاهرة نشأت بسبب تعنت الشركات المنتجة
شعبة الأدوية: القرار صدر بعد 8 سنوات من المطالبة به للقضاء على المصانع غير المرخصة

 

فى ظل معاناة المواطن المصرى حاليا من ارتفاع أسعار الدواء باستمرار، أصبح اللجوء إلى شراء الأدوية من مواقع التواصل الاجتماعى أو من أى أماكن أخرى خارج الصيدليات أمرا شائعا بين الناس، وقد تكون هذه الأماكن مليئة بالأدوية منتهية الصلاحية، ما يشكل خطرا كبيرا على صحة المواطنين الذين يحاولون أن يواجهوا غلاء الدواء بأى طريقة مهما كانت خطورتها سواء بقصد أو بدون.
وخطورة الأدوية منتهية الصلاحية لا تخفى على أحد، وفى السنوات الأخيرة عانى الكثيرون من آثار هذه الأدوية والتى تؤثر بشكل مباشر على صحتهم. 
وبالتالى كان لابد على الدولة أن تتدخل لمواجهة هذه المشكلة، حتى وإن كان الحل متأخرا بعض الشىء، وهو ما جاء فى قرار هيئة الدواء رقم 47 لسنة 2025 بشأن سحب المستحضرات الطبية حال انتهاء صلاحيتها من سوق الدواء، بعد مطالبات استمرت لمدة 8 أعوام من شعبة الدواء والصيادلة. 
وقد أصدرت الهيئة قرارها فى فبراير الماضى وتناولت فيه تعريفا واضحا لجميع عمليات تداول الدواء، مشيرة إلى أن فترة الصلاحية هى المدة الجائز فنيًا خلالها استهلاك المستحضر مع الاحتفاظ بخصائصه شريطة حسن تخزينه وفق القواعد العامة المتبعة فى هذا الصدد والإرشادات الخاصة بكل مستحضر على حدة.
أما تاريخ انتهاء الصلاحية، فقد عرّفته الهيئة بأنه هو الموعد المحدد مسبقًا لقياس العمر الافتراضى للمستحضر، والذى لا يجوز استهلاكه بعد فواته إما لتغير خصائصه أو فقده لفاعليته أو تلفه، بينما سلسلة التوريد فتبدأ من المصنع القائم على إنتاج المستحضر، أو الشركة القائمة على استيراده، مرورا بالمخزن أو المستودع المسئول على تخزينه ثم الشركة المتعاقد معها لتوزيع المستحضر على الصيدليات، وانتهاء بالصيدلية المعروض بها المستحضر، إذا لم يتم بيعه للجمهور. 
وأوضح الدكتور ياسين رجائى، مساعد رئيس هيئة الدواء، أن المادة الثانية من القرار نصت على أن تلتزم الشركات بقبول مرتجعات المستحضرات منتهية الصلاحية التى أنتجتها أو استوردتها، وبأصغر وحدات الإنتاج، من الصيدليات أو المخازن أو المستودعات رجوعًا فى سلسلة التوريد حتى بدايتها، وذلك خلال 90 يوما اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القرار، على أن يتم فرزها خلال 30 يوما اعتبارًا من تاريخ استلامها، على أن يسوى التعويض عن المستحضرات المرتجعة خلال موعد أقصاه 180 يومًا اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القرار.
وأشار رجائى إلى أن المادة الرابعة تنص على التزام المصانع بإعدام المستحضرات المرتجعة خلال ٤٠ يوما تحسب من تاريخ استلامها للمستحضرات، كما تلتزم الشركات المستوردة وشركات التصنيع لدى الغير بإعدام مستحضراتها المرتجعة خلال ٤٠ يوما تحسب من تاريخ إخطار المخزن أو المستودع للشركة باستلام المستحضرات منتهية الصلاحية، وذلك وفقا لأحكام القانون ولائحته التنفيذية وقواعد وإجراءات الإعدام النافذة فى هذا الخصوص، وآلية تنفيذ هذا القرار.
ولفت إلى أن المادة السادسة نصت على أن يحال أمر الشركات الممتنعة عن تطبيق أحكام هذا القرار على وجه السرعة إلى رئيس الإدارة المركزية للعمليات، بموجب تقرير مسبب من الموزعين مبينا به أسباب الامتناع ومبررات الشركة (إن وجدت) حتى يتسنى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. 
ومنذ إصدار القرار وحتى الآن تقدم 6364 مؤسسة صيدلية بالتسجيل الإلكترونى على الرابط المخصص لسحب الأدوية، حيث تم سحب ما يقرب من ٣٤١ ألف وحدة منتهية الصلاحية. 
غسيل السوق
وفى هذا الصدد، قال الدكتور على عوف، رئيس الشعبة العامة لشركات الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن القرار جاء استجابة من هيئة الدواء بعد 8 سنوات من المطالبة بسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات. 
وأضاف عوف، فى بيان صادر عن الشعبة، أن القرار يأتى عقب تفاقم وتنامى المصانع غير المرخصة التى تخصصت فى إعادة تغليف الأدوية منتهية الصلاحية بتاريخ صلاحية جديد وضخها فى الأسواق مرة أخرى ما يشكل خطرا على صحة المواطنين، معتبرا القرار من أفضل قرارات هيئة الدواء منذ إنشائها على الإطلاق.
وأوضح رئيس الشعبة العامة لشركات الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن شركات الأدوية والصيدليات يأملون أن يكون هناك خطة محكمة من هيئة الدواء لسحب جميع الأدوية المنتهية الصلاحية من جميع الصيدليات العاملة فى مصر دون شروط.
وشدد على ضرورة قيام هيئة الدواء بمراقبة عملية غسيل السوق حتى تنتهى تماما، ويتم سحب جميع الأدوية منتهية الصلاحية فى خلال 90 يوما، والتى تعتبر فتره قصيرة جدا لأن عدد الصيدليات فى مصر يصل إلى 82000 صيدلية، ما سيشكل ضغطا على هيئة الدواء فى إنجاح هذه العملية. 
وطالب عوف بضرورة أن يكون هناك التزام من هيئة الدواء بتعويض الصيدليات ووضع عقوبات صارمة على الشركات المتتنعة عن الارتجاع أو التعويض للصيدليات، لحماية صحة وحياة المريض المصرى وهى مسئولية هيئة الدواء. 
وأشار إلى أن أصحاب الصيدليات تحملوا خسائر مادية كبيرة بسبب عدم سحب هذه الأدوية فور انتهاء صلاحيتها، ما تسبب فى ظهور ظاهرة فريدة غير موجودة إلا فى مصر فقط وهى ظاهرة تجارة الأدوية المنتهية الصلاحية والتى تعتبر علامة استفهام لتأخر إصدار هذا القرار.
تاريخا الصلاحية
وقال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الدواء وعلم انتشار الأوبئة، إن الأدوية لها تاريخان للصلاحية، الأول الموجود على عبوة الدواء، والثانى وجود تاريخ صلاحية فى بعض الأدوية داخل نشرة الاستخدام ويكون مختلفا عن المكتوب على العبوة. 
ودلل عنان على ذلك بالقطرات التى قد يكون مكتوبا تاريخ صلاحيتها عام، لكن فى النشرة الداخلية تكون الصلاحية أسبوعا من تاريخ فتح العبوة، وهذا الأمر قد لا يكون الكثيرون على علم به، كما أن المضادات الحيوية أيضا بها نفس الأمر، وقد يكون مكتوبا فى النشرة الداخلية بأنه يستخدم فى غضون أسبوعين من فتح العبوة مع الحفظ فى الثلاجة، بينما التاريخ المكتوب على العبوة من الخارج سنة أو اثنتين، ولذلك فهناك أدوية لابد من حفظها فى الثلاجة مثل: المضادات الحيوية وأدوية شرب وبعض القطرات، وهذه الأدوية غالبا ما تكون منتهية الصلاحية حتى إذا كان التاريخ المكتوب لمدة طويلة، لكن الأهم هو تاريخ النشرة الداخلية». 
وأوضح أستاذ اقتصاديات الدواء أن طرق التخلص الآمن من هذه الأدوية، تتمثل فى أنه إذا كانت سوائل يتم إلقاؤها فى المرحاض، وإذا كانت حقن يتم إعادتها للصيدلى، أما الأقراص فيتم التخلص منها بإفراغ الكبسولات أو الأقراص من الشرائط ثم يتم لفها فى قطن وإلقاؤها فى القمامة، مع ضرورة وضع كمية صغيرة من البن حتى لا يأكلها الكلاب أو القطط التى تنبش فى القمامة وتموت بسببها.  
وفيما يتعلق بإمكانية استخدام الأدوية بعد انتهاء صلاحيتها، أكد أن الأدوية منتهية الصلاحية لا تصلح للاستخدام، فالشركات تضع تاريخ الصلاحية على الدواء مع وضع شرط أساسى وهو سلامة الحفظ، وبالتالى دائما ما نؤكد أن سلامة الحفظ أهم من تاريخ الصلاحية، لأنه إذا كان تاريخ صلاحية دواء معين سنتين، وقمنا بتخزينه فى ظروف غير جيدة، مثل تعرضه للشمس أو درجة حرارة عالية، فإن الدواء يفقد فعاليته أو يتحول لمادة أخرى قد تكون ضارة. 
وأضاف «هناك دول تقوم بزيادة تاريخ الصلاحية إذا كانت تضمن سلامة الحفظ، وأبرز مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ولكن داخل هيئات وجهات معينة فى الدولة وليس كل الأماكن». 
وأشار إلى أن بعض المضادات الحيوية بعد انتهاء الصلاحية قد تتحول إلى مواد سامة، أما أدوية القلب والمحاليل ففاعليتها تكون أقل بعد انتهاء صلاحيتها، وبالتالى لا تفيد فى العلاج ويجب على المواطن التخلص منها فورا. 
كما يجب على كل مواطن ترشيد استخدام الدواء، وفرز الأدوية الموجودة فى المنزل كل شهرين أو ثلاثة، حتى يستطيع معرفة الأدوية التى قاربت صلاحيتها على الانتهاء والتبرع بها لغير القادرين فى حالة عدم الاحتياج لها. 
وحذر عنان من شراء الأدوية أونلاين، لأن نسبة ليست بالقليلة منها تكون مضروبة وغير فعالة، وإذا كنت مضطرا لذلك فإن الشراء يكون من صيدليات معروفة ومرخصة. 
وفيما يتعلق بفوائد سحب الأدوية المنتهية الصلاحية من السوق، أشار عنان إلى أنها متعددة، وأهمها يعود على الصيادلة، الذين سيستطيعون إعادة الأدوية للشركات ما يجعل الشركات لديها حرص أكثر فى توريد الطلبيات للصيدليات منعا للتخزين وزيادة كميات الأدوية التى سيتم إعادتها لها فيما بعد، وبالتالى تخفيض هامش أرباحها، أما الفائدة المجتمعية فإنها تتمثل فى غلق أهم قناة غير شرعية لتوزيع الأدوية منتهية الصلاحية. 
وكشف عنان أن نسبة الأدوية منتهية الصلاحية فى السوق المصرى غير محددة بشكل دقيق ولكنها تقترب من المستوى العالمى ما بين 1 إلى 2% من حجم السوق. 
ووفقا لوزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار، فإن حجم سوق الدواء فى مصر يصل إلى 300 مليار جنيه سنويا.
مشكلة مزمنة
وتعليقا على ذلك قال الدكتور على عبدالله، مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية، إن الصيادلة يعانون من مشكلة مزمنة وهى عدم القدرة على إعادة الأدوية منتهية الصلاحية للشركات، مشيرا إلى أن الشركات لديها استعداد تبيع بمليارات الجنيهات يوميا، لكنها لا تريد استرجاع دواء منتهى الصلاحية قيمته 10 أو 20 جنيها، رغم أن ذلك مسئوليتها فى الأساس. 
وأوضح عبدالله أن بروتوكول التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية قبل قرار سحبها من السوق، كان متروكا بين الصيدليات والشركات مع التأكيد على أن الأمر علاقة تجارية بين طرفين لا علاقة للحكومة بها، وبالتالى التخلص من الأدوية كان متوقفا على مدى قوة الصيدلية مع الشركة المنتجة للدواء، و«لذلك كانت هناك صيدليات تستطيع إجبار الشركة على إرجاع الدواء المنتهى الصلاحية بسبب قوتها فى التعامل معها، بينما العديد من الصيدليات الصغيرة لا تستطيع إجبارها، وبالتالى تتحمل خسائر تصل إلى مليارات الجنيهات».
وأشار مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية، إلى أنه نتيجة لهذا الوضع ظهرت فى الخلفية تجارة الأدوية منتهية الصلاحية، حيث ترسل شركات الأدوية التى رفضت فى البداية استرجاع الأدوية من الصيادلة، مندوبيها إلى الصيدليات لشراء هذه الأدوية لكن بـ20% من قيمتها فقط ثم تقوم بإعدامها. 
وحذر عبدالله من تناول الأدوية منتهية الصلاحية، لأنها قد تكون فاسدة وتضر بصحة المريض، ويجب على الصيدلى التخلص منها ومنع بيعها فورا استعدادا لإعادتها للشركات. 
وكشف أنه لا توجد إحصائية دقيقة لحجم الأدوية منتهية الصلاحية فى السوق المصرى، لكن البعض قدرها بنسبة 2 أو 3%، أى نحو 6 مليارات جنيه من حجم السوق الذى تعدى 300 مليار جنيه.