النووى الإيرانى.. مفاوضات حذرة على حافة التصعيد

النووى الإيرانى.. مفاوضات حذرة على حافة التصعيد

عادت المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لتتصدر المشهد من جديد، لكن هذه المرة عبر بوابة مسقط، التى احتضنت جولة استكشافية محاطة بالكثير من الحذر والترقب، جولة لم تأت لإبرام اتفاق، بل لقراءة نوايا الطرفين، ومحاولة فهم حدود التنازلات الممكنة وخطوطها الحمراء.
وفى قلب هذا المشهد المعقد، تتقاطع مصالح متشابكة، ما بين رغبة أمريكية فى منع إيران من امتلاك السلاح النووى، وتطلعات إيرانية لضمانات حقيقية تحفظ حقوقها وتجنبها تكرار سيناريو الانسحاب الأمريكى كما حدث فى 2018، وبينما تلوح فى الأفق سيناريوهات متعددة من التفاهم وحتى المواجهة، تقف المنطقة والعالم على حافة تحولات قد تعيد رسم خرائط النفوذ والسيطرة، وتحدد شكل المرحلة المقبلة فى ملف ظل لسنوات عنوانًا للتوتر والتصعيد
اكد الدكتور سامح الجارحى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة لـ «تواصل»، إن الاتفاق النووى الايرانى أو الجولة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التى تمت فى العاصمة العمانية مسقط تعتبر جولة استكشافية، لمدى جدية المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة فكلا الطرفين يريد الوصول إلى اتفاق نووى إيرانى من منظوره الخاص.
وأكد أن واشنطن تريد أن لا تمتلك طهران أسلحة نووية، لأنها ترى أنها إذا امتلكت أسلحة نووية فإنها سوف تكون خطرا كبيرا على الأمن والسلم العالمى، فى الوقت نفسه تريد إيران ضمانات دولية أو ضمانات قوية ومباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عدم الرجوع أو عدم الترد فى الاتفاق النووى والتنصل منه، مثلما حدث فى الاتفاق النووى الذى تم عام 2015 بين الولايات المتحدة الامريكية برئاسة باراك أوباما والجانب الإيرانى.
وأضاف «الجارحى» أن الجانبين يريدان اتفاقا نوويا من أجل حسم وغلق هذا الملف، ف «ترامب» التركيز على الجوانب الاقتصادية والحروب الاقتصادية مع الصين، وبناء الاقتصاد الأمريكى مرة أخرى، فهو يريد اتفاقا نوويا إيرانيا دون اللجوء إلى الحلول العسكرية، لأنه يعلم جيدا وإسرائيل وإيران ودول منطقة الشرق الأوسط تكلفة هذا الحل العسكرى، إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب المنشآت النووية، أو حتى توجيه ضربة لإيران سواء مباشرة من جانب الجيش الأمريكى أو غير مباشرة من جانب الجيش الإسرائيلى.
وأشار إلى أن تكلفه الحل العسكرى سوف تكون تكلفة كبيرة جدا سواء تكلفة بشرية أو اقتصادية، بالإضافة إلى حالة الركود المزمن الذى سيصيب الاقتصاد العالمى إذا قامت هذه الضربة العسكرية، لأن إيران فى يدها بعض الأوراق التى تستطيع ان تلعب بها مثل إغلاق مضيق هرمز بالإضافة إلى بعض وكلائها فى المنطقة مثل الحوثيين والاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار الذى أصاب الملاحة البحرية فى البحر الأحمر وخطوط الإمداد العالمية وخطوط الملاحة البحرية العالمية خصوصا بعد السابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى والضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة
واشار إلى ان كل هذه الأمور تجعل المفاوضين الأمريكيين يريدون اتفاقا نوويا قويا يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي فى حين تريد إيران تحقيق أكبر مكاسب ولا تريد تفاوضا تحت الإرهاب وتحت الترهيب وتحت الزناد أو تحت التهديدات المباشرة من جانب أمريكا وإسرائيل.
وقال «الجارحى» إن سيناريو التوصل إلى اتفاق نووى إيرانى من الممكن حدوثه فى الجولة الأخرى التى ربما تعقد فى مسقط العاصمة العمانية أو فى روما العاصمة الإيطالية، ويرتبط التوصل لاتفاق نووى ببعض الشروط، فالولايات المتحدة الأمريكية سوف تتنازل عن شرط تفكيك البرنامج النووى الإيرانى على سبيل المثال، أو من الممكن أن يتبدل هذا الشرط إلى إخضاع مخزون اليورانيوم المخصب فى البرنامج النووى الإيرانى إلى إشراف مباشر ودقيق من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو نقل مخزون اليورانيوم المخصب إلى دولة ثالثة واعتقد أنها سوف تكون روسيا.
وأضاف أن هذا الشرط يصطدم بطموحات الإيرانيين وتخوفهم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لأنهم يعلمون أن أمريكا من الممكن أن تتنصل فى أى وقت من الأوقات خصوصا فى فترة دونالد ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى، فإيران تريد إشرافا دقيقا من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مخزون اليورانيوم المخصب الخاص بها دون نقله إلى دولة أخرى.
وأكد أن هناك حوافز اقتصادية من الممكن أن يقدمها دونالد ترامب من بينها الإفراج عن بعض الأصول المالية والأموال المجمدة الإيرانية فى بعض البنوك والمصارف سواء الإقليمية أو الدولية من أجل شراء بضائع أمريكية، ومن الممكن أن تستفيد إيران ببعض الحوافز الاقتصادية مثل رفع العقوبات عن بعض الكيانات الاقتصادية الإيرانية،
وهناك بعض البنود لن تطرح على الطاولة مثل دعم إيران وكلاءها والميليشيات التابعة لإيران فى منطقة الشرق الأوسط مثل حزب الله والحوثيين وحركة حماس والفصائل المسلحة فى العراق وغيرها، على الرغم من الضغط الإسرائيلى لتفكيك الملف النووى الإيرانى، وإخضاع برنامج الصواريخ الإيرانية الباليستيه والمسيرات فى المفاوضات، والضغط الإسرائيلى من أجل وقف الدعم الإيرانى لوكلائها وللميليشيات المناهضة لإسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من أن الجانب الأمريكى لا يهمه هذه الأمور بشكل مباشر، وأن ما يهم الجانب الأمريكى ألا تصل طهران إلى سلاح نووى، وما يهم طهران ألا تتنصل الولايات المتحدة الأمريكية من وعودها ومن اتفاقياتها إذا ما تم إقرار الاتفاق النووى الإيرانى.
وقال الجارحى: كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة مثل العمل العسكرى والعمل العسكرى المحدود والعمل العسكرى من جانب إسرائيل والعمل العسكرى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لضرب المنشآت النووية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، كل هذا الموضوع مطروح.
وأضاف: «اعتقد أن الأمر سيصب فى النهاية إلى اتفاق بشروط معينة تمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، وتحقيق مكاسب اقتصادية لطهران وتخفيف ميليشيات إيران فى منطقة الشرق الأوسط من تهديد إسرائيل سواء بشكل مباشر أوغير مباشر، والكف عن دعم بعض الجماعات المسلحة التابعة لإيران والتى من الممكن أن نسميها وكلاء إيران فى المنطقة».
واشار إلى أن الأمور سوف تتجه فى النهاية إلى اتفاق خصوصا بعد جولة المباحثات الاستكشافية غير المباشرة التى تمت فى عمان، التى وصفها الجانبان الأمريكى والإيرانى بأنها مفاوضات إيجابية وبناءة من الممكن أن يتم البناء عليها من أجل التوصل إلى اتفاق نووى إيرانى ملزم لكافة الأطراف، وهذا الأمر هو الأقرب للحلول فى اتفاق وليس صداما.
وكانت قد أجرت إيران والولايات المتحدة محادثات غير مباشرة فى سلطنة عمان، السبت الماضى، واتفقتا على استئنافها الأسبوع المقبل، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى.