تأجيل عقوبات أوروبية ضد آبل وميتا يثير جدلاً.. هل تُؤثر السياسة على استقلالية المفوضية؟

في خطوة مفاجئة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، أرجأت المفوضية الأوروبية الإعلان عن عقوبات تنظيمية كانت مرتقبة ضد عملاقي التكنولوجيا آبل وميتا، وسط تقارير تشير إلى أن القرار جاء في إطار سعي الاتحاد الأوروبي لتسريع وتيرة التفاهمات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت التوقعات تشير إلى أن المفوضية ستُعلن، يوم الثلاثاء الماضي، أوامر “وقف وكف” بحق الشركتين، وذلك في أعقاب تحقيقات موسعة بدأت في مارس 2024 بموجب قانون الأسواق الرقمية (DMA)، وهو القانون الذي يهدف إلى فرض قواعد أكثر عدالة على الشركات العملاقة، وتوفير بيئة تنافسية متوازنة للشركات الأصغر.
توقيت حساس ورسائل سياسية
بحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن تأجيل الإعلان جاء في وقت حساس للغاية، حيث صادف ذلك أول زيارة شخصية لمفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، إلى واشنطن، للقاء مسؤولين أمريكيين في محاولة لفتح قنوات حوار تجاري بعد فترة من التوترات، تخللتها رسوم جمركية فرضتها إدارة ترامب السابقة وتم تعليقها لمدة 90 يومًا.
مصادر مطلعة أكدت أن المفوضية كانت قد أبلغت واحدة على الأقل من الشركتين بموعد الإعلان مسبقًا، ما يعكس أن قرار التأجيل لم يكن تقنيًا بل سياسيًا بامتياز، وهو ما أثار قلق عدد من نواب البرلمان الأوروبي الذين عبّروا عن خشيتهم من أن تؤثر العوامل الجيوسياسية والضغوط الأمريكية على استقلالية القرارات التنظيمية الأوروبية.
ماذا تتضمن القضايا ضد آبل وميتا؟
التحقيق مع ميتا يدور حول عرض الشركة الذي يُتيح للمستخدمين إلغاء الاشتراك في الإعلانات المخصصة مقابل رسوم مالية، وهو ما ترى المفوضية أنه ينتهك مبدأ الشفافية والاختيار الحر. أما قضية آبل فتتعلق بسياسات الشركة التي تحدّ من قدرة المطورين على توجيه المستخدمين إلى خيارات دفع خارجية خارج متجر التطبيقات، وهو ما يُعتبر بمثابة احتكار وتحكم غير عادل بالسوق.
عقوبات منتظرة… ولكن أقل من المتوقع
ورغم أن قانون الأسواق الرقمية يسمح بفرض غرامات تصل إلى 10% من الإيرادات العالمية السنوية للشركات المخالفة، تشير التقارير إلى أن العقوبات المالية المنتظرة ستكون أقل بكثير، مع التركيز على إصدار أوامر تنظيمية تُجبر الشركات على تعديل سلوكها، وهو ما سيكون له أثر أكبر على استراتيجيات عملها في السوق الأوروبية.
موقف المفوضية: تأجيل لا تراجع
في تعليق رسمي، أكدت المفوضية الأوروبية أن العمل الفني على القضايا قد اكتمل، لكنها لم تُحدد موعدًا نهائيًا للإعلان. وقال متحدث رسمي: “نحن في المرحلة النهائية من اتخاذ القرار، وسيتم الإعلان عنه في الوقت المناسب”، مؤكدًا التزام المفوضية باستقلالية قراراتها رغم الضغوط.
هل السياسة تُعيد رسم خريطة التنظيم؟
جاء تأجيل القرارات بعد إعلان إدارة ترامب عن ما يسمى بـ”رسوم يوم التحرير”، وهو ما اعتبره مراقبون تلميحًا سياسيًا لممارسة ضغوط اقتصادية على الاتحاد الأوروبي. كما يأتي ذلك في وقت حساس عقب تولي دونالد ترامب منصبه لولاية ثانية، ما يعزز المخاوف الأوروبية من تدخل البيت الأبيض في الشأن التنظيمي الأوروبي.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه المفوضية أنها لن تتهاون في الدفاع عن استقلاليتها التنظيمية، يرى محللون أن توقيت التأجيل يُضعف الرسالة الأوروبية بشأن مكافحة هيمنة الشركات التكنولوجية الأمريكية.
في ظل هذا السياق المعقّد، تبقى الأنظار موجهة نحو بروكسل، بانتظار أن تُظهر ما إذا كانت قادرة بالفعل على الفصل بين السياسة والرقابة، أم أن قواعد اللعبة تغيرت تحت ضغط المصالح الكبرى.