شرارة
كأنما انهمر الغيث المنتظر على صحراء المال والأعمال، بعد خطوة البنك المركزى بخفضٍ لأسعار الفائدة بنسبة 2.25%، وهى الأولى من نوعها منذ قرابة خمس سنوات، وتحديدًا منذ جائحة كورونا.. ليُعلن بذلك عيدًا مبكرًا فى أوساط مجتمع البيزنس.
هذا الخفض لم يكن مجرد إجراءٍ عابر، بل يحمل فى طياته رسائل صريحة بإطلاق دورة من التيسير النقدى، تُمهد لمزيد من التخفيضات المرتقبة. ومتى بدأ هذا المسار، فإن البوصلة الاستثمارية حتمًا ستتغير: من ثقافة الاكتناز إلى فلسفة توجيه الأموال نحو الاستثمار، ومن انتظار العوائد الثابتة إلى استشراف الأرباح المتنامية فى الأسواق.
بعيدًا عن المسببات المباشرة التى دفعت البنك المركزى لفتح مزاد خفض الفائدة، سواء كان تراجع معدلات التضخم واقترابها من المستهدفات الرسمية، أو غيرها من العوامل، تبقى النتيجة واحدة، هو أن المشهد الاقتصادى على أعتاب تحول، والمستثمرون أمام فرصة.
هذا التحول فى السياسة النقدية لا يخلو من مكاسب استراتيجية للحكومة، إذ يسهم فى تقليص تكلفة الدين العام، مما يخفف جزءًا من الأعباء المالية الواقعة على كاهل الموازنة. لكن التأثير لا يتوقف عند أروقة الدولة، بل يمتد إلى قلب السوق المالى.
بوادر التيسير النقدى قد تُشعل شرارة انتعاش غير مسبوق فى مؤشرات البورصة، وتُعيد الحياة لأسهم طالها الركود، وكأن «طاقة القدر» انفتحت لتُزيح الغيمة عن سوق عانى طويلًا من التراجع.. مرحلة جديدة تلوح فى الأفق، يحمل فيها سوق المال وجهًا مبتسمًا للمستثمرين، ويفك عنهم «النحس» المزمن.
على صعيد الشركات، الصورة أكثر تنوعًا.. فالشركات التى تملك مراكز مالية قائمة على «صافى نقدية» مرتفعة قد تجد نفسها أمام تحديات ناتجة عن تراجع جاذبية السيولة، وربما تواجه ضغوطًا على أرباحها، فى المقابل، تتجه الأنظار إلى الكيانات المثقلة بالديون، التى قد تتحول فجأة إلى رابحة بفضل تراجع تكاليف الاقتراض، مما يعزز من قدرتها على تحسين هوامش الربح وإعادة الهيكلة المالية بشكل أكثر مرونة.
شعور جارف بالتفاؤل، وكأن الاقتصاد كان على أعتاب انطلاقة، ينتظر فقط شرارة أولى تُشعل فتيل النمو.. خطوة خفض الفائدة جاءت كمن يزيح الغبار عن محركٍ عملاق، لتبدأ عجلة الاقتصاد فى الدوران مجددًا، وسط آمال عريضة بأن القادم سيحمل فرصًا أكبر، ونموًا أكثر رسوخًا فى الفترة المقبلة.
< يا سادة.. كل الرجاء أن تكون خطوة خفض أسعار الفائدة هى المفتاح المنتظر لبوابة الاستثمار، فتجذب مزيدًا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتمنح الاقتصاد جرعة أمل تُبدد كابوس الديون الخارجية، وتفتح أفقًا جديدًا نحو استقلال مالى أكثر استدامة.