الأزهر يرد رسميًا على فتوى سعد الدين الهلالي بالمساواة في الميراث

ردَّ مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بشكل قاطع على التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والتي دعا فيها إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، مؤكدًا أن هذا الأمر لا يتعارض مع نص قرآني واضح، على حد قوله.
نصوص الميراث قطعية وثابتة
وفي بيان شديد اللهجة، أكد الأزهر أن نصوص الميراث في الشريعة الإسلامية قطعية وثابتة ومحكمة، لا تقبل التغيير أو الاجتهاد، وقد أجمع الصحابة والعلماء في مختلف العصور على ثباتها، نظرًا لكونها واردة بنص قرآني صريح من الله عز وجل، الذي تولى بنفسه تحديد أنصبة الورثة في القرآن الكريم، لما لهذا الأمر من أهمية بالغة وخطورة كبيرة، ولما فيه من منع للنزاع والخلاف بين الناس.
“القانون الفردي” افتئاتًا على الشرع وولي الأمر
وأضاف البيان أن الدعوة إلى ما يسمى “التدين الشخصي” أو “القانون الفردي” تعد افتئاتًا على الشرع وولي الأمر، وتمثل إعادة إنتاج لأفكار جماعات التكفير المنحرفة، مؤكدًا أن تجديد الخطاب الديني لا يتم عبر الشاشات أو من خلال غير المتخصصين، بل هي مهمة العلماء الراسخين داخل المؤسسات العلمية المعتبرة.
جريمة فكرية تهدد الأمن والاستقرار
وهاجم الأزهر بشدة محاولات تفسير النصوص الدينية أو الاجتهاد فيها من غير المتخصصين، مؤكدًا أن إقامة استدلالات غير صحيحة على تحريم الحلال أو تحليل الحرام يمثل جريمة فكرية كبرى تهدد الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي، وتغذي روافد الانحراف والتطرف السلوكي والفكري.
وتابع الأزهر: “الانتقاء والتدليس في استخدام النصوص، ومحاولة صدمة الجمهور بتفسيرات خاطئة، وتبرير المنكرات باسم الدين، تعد جرائم معرفية تستوجب المحاسبة، وتشكل خطورة كبيرة على وعي المجتمع واستقراره”.
شذوذ فكري وإهدار للدستور
وأكد الأزهر أن تفسير مصطلح “أولي الأمر” في القرآن الكريم على أنه يعني “الشعب” ويمنحه سلطة التشريع حتى في مخالفة أحكام الشريعة، هو شذوذ فكري، ودعوة للتجرؤ على الدين وتشريعاته، كما أنه إهدار لمواد الدستور المصري التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وافتئات على حق ولي الأمر في تنظيم شؤون الدولة.
وأشار الأزهر إلى أنه لا يوجد تعارض بين الفقه الإسلامي والقانون المصري، بل إن أغلب مواد القانون مستمدة من أحكام الفقه، كما أن المادة الثانية من الدستور تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي الضابط الحاكم لجميع مواد الدستور. لذلك، فإن محاولة اختلاق صراع بين الفقه والقانون تمثل ذريعة استخدمها المتطرفون سابقًا لتبرير العنف والتكفير.
الفردانية تهدد الأمن المجتمعي
وحذر الأزهر من نشر أفكار “الفردانية” التي تدعو إلى أن يشرّع كل فرد لنفسه حسب أهوائه ومصالحه الشخصية، معتبرًا أنها أحد ثمار الفكر المنحرف، وتؤدي إلى فوضى تضرب بجذورها في أساس المجتمع، وتهدد السلم المجتمعي والاستقرار الوطني.
وأوضح المركز أن الادعاء الدائم بعدم ملاءمة الشريعة لعصرنا الحديث هو طرحٌ مغرض يراد به عزل الإسلام عن حياة الناس وتصويره كعدوٍ لهم، مشددًا على أن هذا النوع من الطرح لا يورث إلا التطرف والانحراف.
علم الميراث عدالة لا تتغير
وشدد البيان على أن علم الميراث مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتشريعات أخرى مثل النفقة والواجبات المالية، مشيرًا إلى أن من يدعي قصور هذا العلم يتجاهل عمدًا هذه الروابط، لأن كشفها يكشف عن العدالة التي يقوم عليها تقسيم الإرث في الإسلام.
وأضاف أن الهجوم على أحكام الشريعة من خلف لافتات حقوق المرأة محاولة خبيثة للطعن في الدين، وتهدف إلى تغريب المجتمع وطمس هويته واستيراد نماذج غربية مشوهة.
وأوضح أن المسلم الحق هو من يستسلم لحكم الله وتشريعه، مشيرًا إلى قوله تعالى بعد آيات المواريث:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ… وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ…} [النساء: 13-14].
سعد الدين الهلالي يثير الجدل
وكان الدكتور سعد الدين الهلالي قد أثار جدلًا واسعًا عقب ظهوره في برنامج «سؤال مباشر» على قناة «العربية»، حيث صرح بأنه لا يرى مانعًا من المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد في القرآن ما يمنع ذلك، وأن وظيفته كأستاذ للفقه المقارن هي البيان والتوضيح، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.
وتصاعد الجدل إثر هذه التصريحات، فيما سارعت الهيئات الدينية الرسمية مثل الأزهر ودار الإفتاء إلى التأكيد على ثبات أحكام الميراث وعدم جواز الاجتهاد فيها، وشددت على أن قوانين المواريث في مصر تستند إلى الثوابت الدينية ولا يمكن مخالفتها.