رصاصات الحرب والسلام

رصاصات الحرب والسلام

يظل السادات، البطل الغائب الحاضر فى الذكرى الثالثة والأربعون لتحرير سيناء، كان الرجل ولا يزال بطل الحرب وبطل السلام، فهو صاحب قرار العبور وصانعه، وهو البادئ بمد يد السلام.

ربما تتركز الأضواء على نصر السادس من أكتوبر العسكرى، وتحلل كل جانب.. بينما تغفل أو ترى خجلا من الاحتفاء بالنصر المدنى.

لكن إظهار الشجاعة المدنية أصعب كثيرًا من إظهار الشجاعة العسكرية.

وإذا كانت الحروب هى ميادين الموت والدمار، فإن المواجهة المدنية هى ميادين البناء والتنمية.

فى الحروب، الحوار ليس بمقال ورأى و”بوست” منمق، وإنما بأزيز الطائرات وقصف المدافع وطلقات الرصاص.

أما ميادين التفاوض، فهى حروب هادئة، تمثل الغاية، باعتبار أن معارك السلاح تستهدف الدفع إلى المفاوضات المدنية، وإحلال السلام العادل.

تتطلب الحروب أو الشجاعة العسكرية، من الجندى أن يواجه الموت بأعصاب ثابتة ورباطة جأش. ومع ذلك، فإن الشجاعة المدنية تستلزم نوعًا آخر من الإقدام، يتجاوز الخوف من فقدان الحياة إلى الخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، أو التعرض للنبذ والعزلة.

وليس أدل على ذلك من السادات الذى احتفى به الشعب فى أكتوبر 1973، ثم أفتى آخرون بتكفيره وقتلوه بعدها بثماني سنوات بعد أن اتخذ قرارا شجاعا وجعل الأرض مقابل السلام.

وعندما اتخذ السادات قرار الحرب، أيده العرب، بعضهم بسلاحه وماله، وبعضهم بماله، وبعضهم كانت حناجرهم وألسنتهم مع مصر ومواقفهم ضدها.

وعندما اتخذ قرار السلام، نبذوه، وحاربوه واعتبروه خائنا، إلى أن قتل غدرا.

والخطر العسكرى غالبًا ما يكون متمثلًا فى الموت أو الإصابة الجسدية، بينما الشجاعة المدنية قد تعرض صاحبها لمخاطر نفسية واجتماعية معقدة.. وطبعا التكفير والاغتيال.

لقد تحمل السادات عبء قرار الحرب عام 1973، وتحمل خطوات السلام الثقيلة منذ 1977 حتى لقى ربه عام 1981.

فالشجاعة الحقيقية ليست فقط فى ساحات القتال، بل أيضًا فى ساحات الكلمة، والرأى، والموقف الأخلاقى، والحفاظ على المجتمعات.

لم يستجب السادات لضغوط الحنجوريين الذين ظلوا طوال عقود يملأون الأرض صياحا عن تدمير المحتل وتحرير الأقصى.. ثم تركوا عروشهم أو تركوا الدنيا وبلادهم محتلة.

كان الرجل يستحق البطولة فى الشجاعة العسكرية وفى الشجاعة المدنية، ويكفى أنه مهد الطريق للرئيس السابق حسنى مبارك، ليستكمل تحرير الأرض.

والأرض التى روتها دماء المصريين، ستظل ملكا للمصريين، وليست لسواهم.

تحية لبطل الحرب والسلام.